هل عرفتم السر وراء التقارير والتصريحات الوفاقية والمقالات الصاروخية في التباكي على حقوق العمال الأجانب؟ هل عرفتم لماذا كتب الخبير السياسي والكاتب الصحافي افتتاحية مقاله بالخط العريض “آسيويون يحترقون ويسقطون” مخاطباً المنظمات الحقوقية بسؤاله “أين حقوق الإنسان؟ لأن هؤلاء بشر، ولهم حقوق. ولعلّ ما ذكره أحد المفكرين الخليجيين في إحدى كتاباته يشرح جانباً من واقع الحال، وهو أن سكوت الوافدين عن حقوقهم نابع من رغبتهم في الحفاظ على استمرار عملهم في ضوء تجاهل الدول المرسلة لحقوق مواطنيها.. وذلك حرصاً على استمرار فرص إرسال عمالتها الفائضة (والرخيصة) إلى دول المنطقة”.
إن السر وراء هذا النقيق يكشفه تقرير الخارجية الأمريكية الذي ذكر “أن العمالة البنغالية مازالت هي أكثر فئات العمالة الوافدة المعرضة للاستغلال والاتجار بها داخل البحرين”، كما ذكر التقرير “أن تقارير صادرة عن المنظمات غير الحكومية، تشير إلى ارتفاع الطلب على العمالة غير الماهرة من بنغلادش، وهو ما اعتبرته استغلالاً لهذه العمالة التي لا تحتج غالباً على ظروف العمل الصعبة أو تدني الأجور”، أي أن ملامح تقرير الخارجية الأمريكية هي نفس ملامح تقارير الوفاق والكاتب العاطفي التي جرت دموعه على موت 11 عاملاً، في الوقت الذي حبست دموعه عن العمال السبعة الذين قضوا حرقاً بعدما أغلق عليهم الإرهابيون باب المطعم في أحداث التسعينات، ولم تجري دموعه وينتفض قلمه عن الآسيويين الذين كبلت أيديهم وسحبوا كما تسحب الخرفان من سيارات الإسعاف، والتي لم تهتز لهم الخارجية الأمريكية ولم تذكرهم في تقريرها هذا، بل صرحت بخيبة أملها حين أصدرت الأحكام في حق من اقتاد هؤلاء العمال، وهي أحكام لا تتجاوز الشهر أو السنة، وطالبت بإطلاق سراح من دفعهم من سيارات الإسعاف وهم ينزفون دماء ويبكون ويرتجون، وسط تصفيق وزغاريد الطاقم الطبي الذي احتل مستشفى السلمانية.
إن الهجمة على البحرين لم تتوقف عند مؤامرة الانقلاب، بل سبقتها مؤامرة تدمير الاقتصاد قادها مسؤولون كبار في الحكومة حين تآمروا على ضرب الاقتصاد بطريقة رسمية وفنية بدءاً من إلغاء نظام الكفيل حتى فرض رسوم عشرة دنانير على كل عامل أجنبي، مما سبب إرباكاً لدى أصحاب الأعمال، فاهتزت حساباتهم وأغلقت مؤسساتهم وهرب من استطاع منهم الهروب إلى دول تقدم تسهيلات وضمانات، وها نحن نقرأ تشابه التقارير التي تطلقها الوفاق وما تكتبه الصحيفة الطائفية، حين نلاحظ التشديد ولفت النظر على العمالة البنغالية، والتي أشار إليها صاحب المقال “سكوت الوافدين عن حقوقهم وتجاهل الدول المرسلة لحقوق مواطنيها، حرصاً على استمرار فرص عمالتها الفائضة والرخيصة إلى دول المنطقة”، أي يعني أن هناك تخطيطاً وتكتيكاً لضرب البحرين في بطنها وخواصرها وكل شبر ينبض فيها، حين يصدر قرار دولي بمنع هذه الدولة من إرسال مواطنيها، مما يعطي إشارة أو دليلاً بأن حادث وفاة 11 بنغالياً قد يكون مفتعلاً كي يكون إدانة حقوقية ضد البحرين، وبالذات العمالة البنغالية، أي أن الإدانة لا بد أن يتوافر فيها الدليل.
إن توقف الأيدي العاملة من هذه الدولة ومثلها من الدول سيكون الضربة القاضية للاقتصاد وشل البلاد، فلا جسراً ولا طريقاً ولا بناية ولا مستشفى ولا مجمعاً تجارياً ولا حتى بيتاً من جريد، ولكن الأمل يبقى في مسؤولي الدولة الكبار حين يصدرون قراراتهم برفع الحصار عن التجار وأصحاب الأعمال وأولها إلغاء الرسوم نهائياً، وتعود كفالة العامل حفاظاً على سوق العمل، وفي الوقت نفسه على وزارة العمل النائمة في العسل أن تضع حداً للعمالة السائبة التي تسببت فيها قوانين العمل الأخيرة، والتي فتحت الباب لصدور تأشيرات دون حساب، فأين مفتشوها الذين كانوا بين الأسواق يبحثون؟، وأين أولئك المسؤولون الذين يدققون ويتابعون، فلا نرى اليوم فيها إلا مفتشاً يلف ويدور في مناطق وعلى محلات تجارية معينة، بينما هناك محلات مغلقة تصدر عليها مئات التصريحات، اليوم قد أصدرت الخارجية الأمريكية التقرير وندعو الجهات المسؤولة للرد على هذا التقرير الذي لا يستند على دليل، إنما هي تقارير غير حكومية معروفة مصادرها ومعروفون أهلها.
كما إن على الخارجية الأمريكية أن تنظر وتراعي حق شعبها قبل أن تراعي حقوق مواطني دول آسيوية فيها الطائرات الأمريكية تقتل أبناءها بقنابل عنقودية، وها نحن نقرأ عن أعداد المواطنين الأمريكيين التي رخصت دماؤهم على حكومتهم، فقضوا في حروب لا دفاعاً عن أرضهم بل فدوة لعيون الفرس، فأولى لأمريكا أن تحفظ حياة أبنائها وألا ترسلهم إلى مصائد الموت بين جبال أفغانستان ومآتم كربلاء، وبعدها سنصدق أن تقريرها عن العمال الآسيوية ينم عن إنسانية مرهفة وضمير ينبض بالرحمة.