عندما نتحدث عن أسلوب الشدة الذي يمكن أن يتم في التعامل مع القضايا السياسية المحلية، فإنه لابد من معرفة النتائج التي يمكن أن تترتب على هذا الأسلوب. فالنظرة التقليدية ترى دائماً أن أسلوب الشدة ينتهي بضغوطات دولية قد تفضي إلى تدخلات أجنبية في الشؤون الداخلية، وبالتالي يجب التلاعب في هيبة الدولة البحرينية لصالح عدم حدوث هذه الحالة.
في ضوء النظرة التقليدية عانت البحرين الكثير خلال الفترة الماضية، سواءً قبل الأزمة أو حتى بعدها، والآن صارت البلاد ضحية لهذه النظرة السطحية جداً. وصار هناك مسؤولون يخشون اتباع أسلوب الشدة حتى في عملهم رغم أن القانون والحق معهم، وسبب ذلك الخوف من الضغوطات الدولية التي يعتقد البعض أنه فقط الذي يفهم فيها دون غيره.
هذا هو واقع من يتبنى النظرة التقليدية القائمة على الابتعاد عن أسلوب الشدة، ولكن لنتحدث عن النتائج التي يمكن أن تحدث إذا تبنت الدولة أسلوب الشدة في التعامل مع بعض القضايا حفاظاً على هيبتها. لن أتحدث عن النتائج قبل أن أقدم مثالين بارزين يمكن من خلالهما فهم ما أقصده.
المثال الأولى: قصة الإضراب الجزئي الذي قام به عبدالهادي الخواجة قبل شهور لفترة طويلة، هذا الحدث عندما بدأ لم تكن الأضواء مركزة عليه، ولكن بحكم شبكة العلاقات الواسعة التي تمتلكها المعارضة الراديكالية وعبر (آيفكس) استطاعت تحويلها إلى قضية دولية، فصار المتابع للإعلام الدولي يقرأ أو يشاهد أو يستمع يومياً تقارير إعلامية حول حالته الصحية، لاحقاً تطور الوضع فصارت وسائل الإعلام لا تتحدث عن حالته الصحية بقدر اهتمامها بالتصريحات الرسمية وبيانات مؤسسات المجتمع المدني في مختلف دول العالم، وهي بلاشك ضغوط دولية.
الدولة حينها تعاملت بشفافية وصرامة في الموضوع، فصدرت بيانات عدة تبين حالته الصحية، وأتيح المجال لبعض الإعلاميين الغربيين بلقائه أثناء الإضراب في المستشفى لبيان الحقائق. وحتى عندما طلبت حكومة كوبنهاغن نقله إلى أراضيها باعتباره مواطناً دنماركياً، لم توافق الدولة البحرينية على ذلك رغم الزيارات المتكررة للمسؤولين الدنماركيين للمنامة. ماذا كانت النتيجة؟
بعد فترة قصيرة انتهت هذه الضغوطات، واضطر الخواجة لإنهاء إضرابه الجزئي، ولا توجد اليوم وسيلة إعلامية دولية تتحدث عن الخواجة وصار طي النسيان بعد فشل أطراف محلية ودولية في تحقيق مكاسب من وراء تبني هذه القضية الفاشلة. ونتج عن ذلك صيانة هيبة الدولة وحفظ سيادتها من التدخلات الأجنبية بسبب استخدام أسلوب الشدة.
المثال الثاني: إيقاف نبيل رجب على ذمة التحقيق في مجموعة من القضايا الذي أثار اعتراضات دولية من حكومات أجنبية أو حتى من مؤسسات المجتمع المدني الدولية. لم تكترث الدولة لهذه الاعتراضات، وأصرّت على ضرورة أن يأخذ القانون مجراه ليحاسب إن أجرم، ويفرج عنه إن لم يثبت عليه الجرم. وهو أسلوب يعكس الشدة في حفظ هيبة الدولة وصيانة سيادتها. فماذا كانت النتيجة؟
في البداية تصعيد إعلامي غير طبيعي، يتزامن مع ضغوطات دولية من الحكومات الأجنبية ومؤسسات المجتمع المدني، لكنه سرعان ما يتلاشى عندما ترى الأطراف التي تقف وراء تبني قضيته بأنها قضية أخرى فاشلة أيضاً.
لا نطالب بالحزم والشدة أكثر من المعقول، لأن الديمقراطية البحرينية لا تسمح إلا بهذا القدر وهو القدر الطبيعي المطلوب والمناسب، ولكن أن تُفهم الديمقراطية بأنها تعني اللاحسم واللاشدة، فهو بلاشك أمر مرفوض. وتزايد الاستياء والإحباط لدى المواطنين رغم كونه مفتعلاً من أطراف محلية وخارجية، إلا أنه لابد من التحلي بالشجاعة وتحمل المسؤولية من الدولة، بدلاً من الوقوف دون حراك وتقاذف المسؤوليات.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90