لم أقابل السفير الأمريكي الحالي في المنامة توماس جراكيسكي شخصياً رغم محاولات بعض الأطراف إقامة مثل هذا اللقاء وقناعتهم بجدواه. ولكنني أسمع كثيراً ردود فعل شخصيات كثيرة التقت سفير واشنطن في البحرين، وأبرز الأحاديث التي تتضمن ردود فعل من يقابل السفير مقارنة شخصيته بشخصيات الدبلوماسيين الآخرين المعتمدين في العاصمة البحرينية، ودائماً ما تتضمن المقارنة مفارقات كبيرة لافتة تعطينا دلالات مهمة. مؤخراً، قارن أحد الأصدقاء الذي أتيحت له فرصة لقاء السفير الأمريكي في أكثر من مناسبة، وكانت انطباعاته غير جيدة، لم يتحدث الصديق حينها عن مواقف السفير ونظرته للأوضاع السائدة في البلاد، ولكنه قارن بين شخصية هذا السفير مع نظيره البريطاني.
المقارنة تبدأ من الطابع الودود والحميم الذي يمكن أن يخرج منه الشخص عندما يلتقي السفير البريطاني، في حين أنه لن يخرج بانطباع مماثل عندما يلتقي السفير الأمريكي. من المقارنات أيضاً أن السفير البريطاني مستمع ممتاز من الدرجة الأولى، ويرغب دائماً في التحاور مع من يجلس معهم. بخلاف نظيره الأمريكي الذي يرغب في إبراز وجهات نظره بشكل أساسي، ولا يحبذ الاستماع للآخرين بقدر اهتمامه بفرض آرائه ومواقفه، ولذلك فإن فرص الحوار دائماً ما تكون محدودة معه لأن شخصيته تفتقد مثل هذا النوع من المهارات.
مثل هذه المقارنة التي يقدمها الصديق أراها واقعية عندما نستمع إلى آراء بعض المسؤولين في الحكومة حول شخصية السفيرين البريطاني والأمريكي. فمع البريطاني بالإمكان تطوير العلاقات البحرينية ـ البريطانية لأنه مؤمن بها ويحترم تعدد وجهات النظر وإن اختلف معها، وليس من طباعه فرض الآراء والأفكار أو حتى التلميح كأوامر أو ممارسة الضغوط، ولذلك نجد كثيراً من المسؤولين يستمتعون بالتعاون معه في مختلف القطاعات داخل الدولة.
أما السفير الأمريكي فإن الوضع مختلف تماماً لأن لقاءاته عادة ما تجد تذمر المسؤولين بعد انتهائها، لأنهم يتعاملون مع طرف ليس همه تطوير العلاقات البحرينية ـ الأمريكية بقدر اهتمامه بفرض وجهات نظره وحماية مصالحه بعيداً عن مراعاة أية اعتبارات للعلاقات الثنائية بين البلدين.
من الصعوبة بمكان تفسير سبب اختلاف الشخصيتين الدبلوماسيتين الأبرز في المجتمع الدبلوماسي البحريني، ولكن عندما نتذكر أن السفير البريطاني قادم من مهام دبلوماسية سابقة في بلدان جنوب شرق آسيا ندرك كيف اكتسب مثل هذه الطباع في شخصيته والتي أكسبته مزيداً من الاحترام في المنامة. في حين أن السفير الأمريكي جاء من بلدان مثل العراق واليمن وهي بلدان صراعات اعتادت واشنطن التدخل فيها بشكل فج للغاية، ولذلك مازالت شخصيته معتادة على مثل هذا الطباع الآمرة والناهية. لا أقدم مثل هذا الطرح انتقاداً في شخصية السفير الأمريكي تماماً، ولكن أقدمه بهدف بيان ما يمكن أن تخسره العلاقات البحرينية ـ الأمريكية الوطيدة والتاريخية، إذا ظل أسلوب السفارة الأمريكية في المنامة قائماً على مثل هذه الانطباعات التي صارت مؤثرة بشكل كبير على اتجاهات الرأي العام المحلي.