لا يمكن وصف الاتجاهات السائدة حالياً لدى الرأي العام البحريني وموقفهم تجاه الدولة سوى بـ (التطرف)، وهي حالة طبيعية جداً لأي دولة تشهد موجة احتجاجات واسعة قد تقارب إلى ما يمكن تسميته بـ (الثورة) رغم أن ما حدث ليست ثورة شعبية وإنما احتجاجات من بعض القوى السياسية الراديكالية.
تتفق معظم نظريات الثورات على أن الفترة التي تعقب الثورة تتسم بخصائص مميزة، وأهمها على الإطلاق انتشار التطرف، ويمكن ملاحظة ذلك في أربع ثورات قدم كرين برينتن تحليلاً عميقاً لها عندما درس الثورات الفرنسية والأمريكية والروسية والإنجليزية. ولذلك فإن انتشار التطرف بمختلف أنواعه بعد أي احتجاجات شعبية أو ثورة هي حقيقة بلا شك.
لنطابق الوضع بالبحرين، حيث انتهت الاحتجاجات الشعبية ومحاولة بعض القوى السياسية الراديكالية إحداث ما يسمونه بـ (الثورة الشعبية) بالفشل الذريع لأسباب عدة. ولكن الأهم من ذلك أنها انتهت إلى حالة متقدمة من التطرف السياسي والفكري، وهذا التطرف ليس موجوداً لدى مكوّن معيّن من مكونات المجتمع البحريني، بل هو موجود لدى كافة المكونات سواءً كانت من السنة أو الشيعة أو حتى الأقليات الأخرى متناهية الصغر.
عندما كانت الأزمة البحرينية في ذروتها تأثرت مكونات المجتمع المحلي كثيراً بالأحداث آنذاك، فاضطرت لإنهاء حالة السلبية التي كانت تعيشها لعقود طويلة من الزمن ولعبت دوراً سياسياً محورياً في مسارات الأزمة من خلال الاحتشاد الجماهيري كما حدث في ساحة الفاتح.
أيضاً تزامن مع هذا التطور في النظام السياسي البحريني الرغبة المبالغ فيها بالانخراط في الشأن العام وممارسة السياسة عبر كافة أشكال المشاركة، سواءً تأسيس جمعيات سياسية، أو تنظيمات حقوقية، أو المشاركة في مؤتمرات وفعاليات بالداخل والخارج، أو التعبير عن الرأي في وسائل الإعلام التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الرغبة في المشاركة بالفعاليات الجماهيرية مثل المظاهرات والاعتصامات والمسيرات.
الوضع الطبيعي علمياً بعد الثورات أو الاحتجاجات الجماهيرية هو تصاعد حدة التطرف لدى الرأي العام، وعودة التيار المعتدل بشكل تدريجي على فترة زمنية طويلة نسبياً. والسؤال هنا؛ هل تنطبق هذه المعادلة على الوضع البحريني؟
يلاحظ الآن نفور سياسي كبير من مختلف مكونات المجتمع تجاه الشأن العام وممارسة السياسة بكافة أشكالها، والسبب الرئيس لذلك باعتقادي هو الخوف من أضرار التطرف والرغبة في العيش بهدوء أكثر بعد حالة من الاحتقان والتأزم. ومثل هذا النفور يحمل مخاطر كبيرة لأنه يعني ابتعاد الاتجاهات المعتدلة لدى مكونات المجتمع، وإتاحة الفرصة للاتجاهات المتطرفة والراديكالية في الاستمرار بعملها. والنتيجة النهائية لهذه الحالة انتقال أصحاب الاتجاهات المتطرفة إلى حالة قيادة مكونات المجتمع و«ردكلتها». وتصبح المعادلة عندها عكسية تماماً، بمعنى أنه إذا استطاع المعتدلون قيادة الجماهير خلال الأزمة، لأنهم الغالبية، فإن المعتدلين الآن سيتحولون إلى تابعين للمتطرفين والراديكاليين بسبب عزوفهم نتيجة للانتكاسة التي يشعرون بها.
مسؤولية الحفاظ على المعادلة الأساس مسؤولية مشتركة، وليست مسؤولية الدولة ومؤسساتها التي دائماً ما يلقى اللوم عليها فقط. فالرأي العام عندما يحمل اتجاهات معتدلة ينبغي عليه الحفاظ عليها واستحداث آليات تضمن لاتجاهاته القيادة داخل النظام السياسي بدلاً من تركها لأطراف تشكل أقلية وتصبح لديها القدرة على القيادة بدلاً منه.