الديمقراطية ليست أحزاباً سياسية وتمثيلاً نيابياً فقط، لأن الشعب إن أراد أن يحكم ويكون مصدر السلطات فله من الأدوات الديمقراطية ما يتجاوز هاتين الأداتين. الشعب يستطيع من خلال العديد من الأدوات أن يكون صاحب القرار وصانعه ومغيره، هو يملك صحافة وإعلاماً حراً مرتفع السقف يستطيع من خلالهما أن يشارك في الضغط على صانع القرار، وعلى كل السلطات الثلاث، وتلك أداة ديمقراطية لا يستهين بها أحد، لذا فالمجتمع الذي يملك أكثر من صحيفة مجاله يكون واسعاً في المشاركة، وتأتي الوسائل الإعلامية الأخرى مكملة لهذه المهمة، ومن خلال تلك الوسائل يستطيع الشعب أن يراقب أداء الحكومة مباشرة وأن يضغط على السلطات كلها، وأن يضغط باتجاه التغيير سواء كان تغيير المسؤول، أوتغيير البرنامج، أومعاقبة المخطئين، والفاسدين، تحتاج المجتمعات حديثة العهد بالديمقراطية إلى أن تستغل وتوظف تلك الأداة بشكل أكثر فعالية، فلا تتقاعس عن المشاركة وإبداء الرأي. لا يجب أن ينتظر المواطن ممثله النيابي فقط أو السلطة التنفيذية أن تؤديا وظيفتهما دون مراقبة ممثليه ومشاركتهم، وكثير من الشعوب استطاعت أن تتخطى بحيويتها ونشاطها من خلال مؤسساتها المدنية ومن خلال أفرادها مجالسها النيابية من حيث التأثير، فلا نتصور أن المنتهى والمطاف للديمقراطية في زيادة صلاحيات الممثلين النيابيين فقط، بل القوة تكون في حيوية المجتمعات ونشاطها وحراكها. لدينا أدواتنا الأخرى غير الإعلام، لدينا حرية تأسيس المؤسسات المدنية تلك الأداة التي بدأت العديد من المجتمعات الديمقراطية تنظر لها على أنها البديل الأنسب للمشاركة الشعبية متجاوزة السلطة النيابية، ومن خلالها يجري الضغط للتغيير والمراقبة والإصلاح. فتلك المؤسسات تمثل شرائح مجتمعية وترعى مصالحها وتستطيع من خلال فعالية أعضائها ونشاطها أن تحدث التغييرالتشريعي وأن تراقب أداء السلطة التنفيذية، ومن خلال ضغطها بإمكانها أن تكون قوة لا يستهان بها أيضاً تفوق السلطة النيابية. ثالثاً لدينا منظومة من التشريعات التي تحمي الاقتصاد وتحركه كمنع الاحتكار والشفافية والحصول على المعلومات وحماية العمال والملكية الفكرية وغيرها أدوات ديمقراطية تعزز الحكم الصالح وتتجاوز بوجودها وبمراقبة تنفيذها من قبل المؤسسات المدنية المعنية بها، تتجاوز في قوتها أيضاً السلطة النيابية. المجتمعات هي الحامية لتلك المنظومة هي المراقبة هي القائمة على تنفيذها وبالتأكيد أخيراً وليس آخراً القضاء المستقل، القضاء المهني العالي التأهيل قوة تغيير وإنصاف وعدالة، والمؤسسة القضائية سور وحماية للحقوق، والعديد من المجتمعات نجحت في الحصول على العديد من الحقوق المدنية والسياسية عبر أحكام قضائية، ولم يكن للأحزاب فضل ولا للسلطة النيابية فضل في ذلك، ونجحت الشعوب في تحقيق التغيير من خلال تلك الأدوات ولم ينتظروا أحزابهم أن تقوم نيابة عنهم. خلاصة القول إن من يضحك علينا بالقول إن الديمقراطية الحقيقية هي فقط التي تمنح الأحزاب صلاحيات واسعة هم الأحزاب، الأحزاب السياسية هي التي تحاول أن تقنعنا بأن ثمرة الديمقراطية مركزة في صلاحياتها هي فقط، مضللة بذلك وعياً عاماً تريده أن يتكل عليها ويمنحها حصانة ويسبغ عليها هالة من القدسية، بل إنها تدفع بالشباب وقوداً لخدمة مصالحها حتى لو أدى لأن يدفع الشباب أرواحهم ثمناً لمكاسب حزبية، وتنسى الأحزاب أنها مجرد أداة، وهناك أدوات غيرها لتحقيق ذات الوسيلة. البحرين مجتمع حيوي جداً وبه كفاءات عديدة لا تريد أن تنغمس في العمل الحزبي إنما بإمكانها أن تساهم في إحداث التغيير، لكننا مع الأسف كمجتمع لا كسلطة نهمشها ونبعدها ونقلل من فعاليتها، معتقدين أن الأحزاب فقط هم أدرى بمصالحنا، وأن الأحزاب فقط الأداة القادرة على إحداث التغيير، ونخسر بتهميشنا تلك الطاقات (سلطة) و(قوة) بإمكانها أن تضغط باتجاه التغيير ونيل الكثير من الحقوق وتنمية الاقتصاد وغيرها من مجالات اختصاصات تلك الشخصيات. الإعلام والندوات فرصة لهذه الشخصيات علينا أن نفسح المجال لها ونستمع لها، وعليها هي أن تخرق حاجز الصمت. هناك دول ليست لديها مجالس نيابية ولكن الفساد فيها يكاد يكون معدوماً، لأن لديها صحافة حرة، ولأن لديها قضاء مستقلاً، ولديها منظومة تشريعات ومؤسسات مدنية تصونها، وأفرادها ومجتمعاتها حية الحركة متفاعلة مع الحدث غير متكلة على غيرها. وهناك دول لديها مجالس نيابية، الفساد ينخر فيها وفي مجالسها النيابية أكثر من فساد حكوماتها، والتنمية فيها معطلة والهجرة فيها متصاعدة. لا ننسى أن هتلر حين دخل الحرب التي قتل فيها الملايين دخلها بتصويت برلماني حظي فيه على الأغلبية النيابية، وكان ذلك أغبى وأخطر قرار عالمي صدر من خلال أداة ديمقراطية!! الأمثلة على هذه الجدلية التي تناقشها المجتمعات الديمقراطية الآن كثيرة، وهي جدلية قائمة على التشكيك في مقولة أن سلطة الأحزاب وحدها سبيل لحكم الشعوب لنفسها، وأنه ليس لدى الشعوب إلا الأحزاب السياسية وسيلة كي تحكم نفسها بنفسها. هذه الجدلية يجب أن تختبر وتناقش عندنا بصوت عالٍ، لأننا أصبحنا نسير خلف شعارات تحصر الديمقراطية بالصلاحيات الحزبية، كما يسير توم القط في الكارتون (توم آند جيري) وراء رائحة الطعام، مغمض العينين مسلوب الإرادة. بإمكان المجتمع البحريني لو أحسن استخدام أدواته الديمقراطية المتاحة له أن يحدث في آلية تعاطي السلطة التنفيذية مع “أزمة السوق” رأياً عاماً وكقضية أساسية تغييراً كبيراً، تغييراً نوعياً، هذا واحد فقط من الأمثلة القريبة التي أتمنى أن تكون مختبراً ميدانياً لتلك الجدلية. البحرينيون بحاجة إلى أن يختبروا قوة أدواتهم الشرعية الدستورية ويسحبوا البساط من المتسلقين على أكتافهم، ومن مدّعي الفهم ومحتكري ماركة “المصلحة العامة