يقول النائب أحمد الساعاتي رئيس كتلة «البحرين» النيابية بمجلس النواب، إنهم -أي الكتلة- تعتزم استجواب بعض المسؤولين والوزراء الدور المقبل لتصحيح الأوضاع والتجاوزات بناء على تقارير ديوان الرقابة المالية المتعلقة بالفساد والمفسدين.
وأنا أقول بدوري هنا: «أن تأتي متأخراً، خير لك من ألا تأتي أبداً»؛ إذ أقلها سأحسب للكتلة النيابية الجديدة أو التي أعادت تجديد تشكيلها أنها تحدثت في الموضوع، ولوحت باستجوابات بناء على ما صدر عن ديوان الرقابة المالية، وسأحسب لها أنها قالت «تقارير» وليس «تقرير» لتحصره في تقرير العام الماضي.
أقول أن تأتي متأخراً، إذ هذا التصريح يصدر في أواخر شهر يوليو، والتقرير الذي تفوقت عدد صفحاته على صفحات تقرير لجنة تقرير الحقائق برئاسة البروفيسور بسيوني قدر صدر في أواخر العام الماضي، أي نحن نتحدث عن أكثر من نصف عام مرت عليه، وعليه بعد عدة شهور سيصدر التقرير الجديد لديوان الرقابة المالية.
كتلة البحرين النيابية تتحدث اليوم عن التقرير والمحاسبة، أقلها سأشكرها أنها لم تنس وجود شيء يسمى تقرير رقابة مالية حتى لو مضت شهور طوال على صدوره. أرجو ألا تتسابق بعض الكتل أو النواب الآن وكأنها في سباق جري لتقول بأننا تكلمنا عن التقرير وقلنا وتحدثنا، إذ الفكرة ليست بالحديث عن التقرير وترك بصمة تتعلق به حينما يصدر وينسى بعدها، بل الفكرة بالأفعال والإجراءات حيال ما تضمنه من «بلاوي زرقاء».
لكن يا جماعة، هل علينا أن ننتظر لما بعد رمضان حتى تتحرك الأمور بشأن تقارير ديوان الرقابة وتبدأ محاسبة المفسدين ومهدري المال العام؟! أدرك تماماً بأنكم تتحدثون عن بدء دور الانعقاد القادم، لكنني أفكر في إجازتكم السنوية الطويلة، هل هي تعني أيضاً بأن المفسدين ومهدري المال العام يستحقون نفس مدة الإجازة بعيداً عن المحاسبة، وأضيفوا عليها مدداً أطول لمناقشة التقارير وطلب استجوابات في مقابل تعطيل استجوابات ومن سيبرز كهيئة دفاع أو كـ»مطبة تعطيل» لاستجواب هذا الوزير أو ذاك، أو لطرح الثقة فيه. يعني ننتظر تقرير ديوان رقابة جديد بتفاصيل جديدة والمال العام المهدر فيما مضى نقول عليه السلام ومنه العوض وعليه العوض.
هذا هو الواقع، إذ ثمانية تقارير لديوان الرقابة المالية لم نجد فيها محاسبة أو مساءلة أو عمليات عزل أو حتى تحقيق ومحاكمة وعقوبات أو سجن أو غرامات. وكأن فلوس البلد «سبيل» لمن لا يمتلك ضميراً ويمتلك في المقابل كرسياً ونفوذاً، حلال عليه الأخ «يغرف» لنفسه أو «ينثر» الأموال على مشاريع فاشلة، أو مصروفات فيها «استهتار» واضح.
الآن يأتي النواب بعد الإجازة ليفتحوا ملف الفساد ومحاسبة المفسدين؟! عفواً أعني بعد رمضان وليس الآن! بل عفواً أعني بعد العيد وفي أكتوبر تحديداً (حتى المدارس سيكون مضى على بدئها شهر كامل)!
لست أنتقد تصريحات الكتلة النيابية هنا، بل أقول أقلها أحد تحرك على مستوى التصريحات التي اختفت بعد أسابيع قليلة من صدور التقرير الأخير الذي بان واضحاً جداً بأنه أخذ موقعه سريعاً –هذه المرة- مع أشقائه السابقين في الأدراج وعلى الرفوف. في أوضاع طبيعية كان التقرير يتعامل معه كأنه «إكسسوار» وكأنه دلالة لوجود رقابة صارمة ورصد للفساد، بالتالي كيف يتم التعامل مع تقرير يأتي في وقت عاشت فيه البحرين أزمة عصفت بكثير من أمورها؟!
الوضع الذي مررنا به ليس مبرراً للسكوت وتجاهل تقرير ديوان الرقابة الأخير، وكأننا في مثل وضع بلد يضربه زلزال أو يثور فيه بركان تنشغل فيه ناس بإنقاذ أرواحها، بينما أناس آخرين يقتحمون المحلات والبنوك ليسرقوا وينهبوا طالما الجميع «في غفلة».
للأسف بشأن تقارير، أكرر «تقارير» ديوان الرقابة المالية فإن التعويل على أن ينجح النواب في عزل وزير، أو محاسبة مسؤول، أو سجن لص، كلها احتمالات لا نراها قابلة للتحقيق، طالما يستمر تعامل النواب مع التقارير بمثل تعاملهم الحالي. لن يوقف الفساد الإداري والمالي وهدر المال العام كلام وتصريحات رنانة وحتى الصراخ الحماسي، ولن يوقفها تكتلات نيابية تعمل ضد بعضها، إما لطرح الثقة في هذا المسؤول أو إنقاذه من المحاسبة.
تريدون محاسبة الفساد بشكل صحيح؟! إذن على الدولة أن تدخل على الخط، وأن يكون لها موقف ورد فعل إزاء تقارير ديوان الرقابة المالية، كل مسؤول تثبت عليه التجاوزات يفترض التحقيق معه ومحاسبته بل عزله، لأن إبقاءه هو تكريس للفساد، وخلق دافع لدى غيره ليفسد ويسرق دون أن يفكر بالعقاب.
لا يمكن أن نستمر في تمرير القول بأنها مسؤولية السلطة التشريعية، فحال نوابنا في شأن المحاسبة هو ما ترونه رأي العين كل عام، ما تدركونه من تضخم حجم التقارير عاماً عن عام، لأن المحاسبة غائبة تماماً، ولأن كلام النواب –أغلبهم منعاً للتعميم- ليس سوى كلام إعلامي مداه غير بعيد، والله حتى الإعلام والصحف ملت منه، وحولته الناس لمادة تندر.
من سيسيئه كلامنا من النواب، عليه أولاً أن يخبرنا بعدد الوزراء الذين أقالهم أو المسؤولين الذين حاسبهم أو المبالغ التي أرجعها لخزينة الدولة جراء تعامله «الجاد» مع تقارير ديوان الرقابة، بعدها سنقدم له اعتذاراً مكتوباً على أوراق امتدادها من بيته إلى مقعده في قاعة البرلمان. والله كثرة هذه التقارير باتت تأتي بشكل عكسي، وكأنها تقارير توثق بأن الفساد يزيد في البلد وأن المفسدين «المحصنين» في مواقعهم لا رادع يردعهم.
في مقابل ذلك، الدولة عليها أن تتحرك بشأن هذه التقارير. أنتم من تقررون وضع فلان وعلان ووزراء أو وكلاء أو مسؤولين، بالتالي إن أخلوا فهم يخونون أمانة من توسم فيهم الخير، والخيانة هنا ليست بقول يمكن التغاضي عنه، لكنها بأفعال مشينة خاصة حينما تمتد للمال العام، أو تصل لفساد في الإدارة واستهتار يأتي على حساب مصلحة البلد وأهلها.
عموماً، سننتظر من كتلة البحرين النيابية تنفيذاً لتصريحاتها، سننتظر أسماء الوزراء والمسؤولين الذين لم تكشف عنهم حتى الآن، سننتظر كم العدد الإجمالي للمفسدين الذين ستحيلهم للجهات المسؤولة حتى يأخذوا جزاءهم، سننتظر حراككم في هذا الاتجاه بعد رمضان، مع شك «مبرر»؛ إذ كم مرة أسمعونا نفس الإسطوانة، وعينك ما تشوف إلا النور!!
- اتجاه معاكس..
نحن الآن في رمضان، وكم من الأسر تعاني في هذا الشهر وبعده العيد. الحكومة برئاسة الأمير خليفة بن سلمان خطها واضح في شأن التعامل مع هموم الناس خاصة في مثل هذه المناسبات، وفرت الدعم الحكومي لكثير من السلع والمواد الأولية، ووجهت دوماً من خلال رئيس وزرائنا العزيز لتتبع شؤون الناس والوصول لهم ومعرفة حقيقة أحوالهم ومساعدتهم بما هو أصلاً حق لهم.
بعض المسؤولين في الأيام العادية لا تتوقع منه أي شيء، فما بالكم في رمضان؟! وعليه فإننا نتمنى من جميع الوزراء والمسؤولين أن يتذكروا توجيهات الأمير «بوعلي» بشأن المواطن، ووجوب النزول له ومعرفة همومه والمسارعة في حلها. رمضان فرصة مثالية للقيام بهذه الأمور تجاه الناس، فهل مسؤولونا على قدر المسؤولية؟! أم نستمر في التعويل على النزول الدائم لخليفة سلمان للناس ليقوم بالدور المفترض أن يكون المسؤولون قد قاموا به أصلاً؟!
{{ article.visit_count }}