حتى وإن راهن كثير من السياسيين والطائفيين على نجاح خيار العنف وتكسير العظام والرؤوس، كحل صارم للأزمات السياسية التي يمر بها وطننا العربي، إلا أننا سنظل ضد هذا التوجه التافه، وضد كل عمل سياسي من شأنه تعميق الأزمات العربية، عبر بوابة العنف وإسالة المزيد من الدماء. ربما يكون دوي الصراخ ووهج الشعارات وقوة الحماس وحتى السلاح، يعطوننا صورة أولية فاقعة أن الحل يكمن في زوايا هذه الأدوات، لكن بعد ذهاب السَّكرة وحضور الفكرة، سيكون الندم عنوان تلك الأساليب الفتاكة، سواء على صعيد الشعوب أو على صعيد الأنظمة، وحينئذ لن ينفع الندم. لا يمكن أن تنجر الشعوب والأنظمة لحملات العنف والعنف المضاد، فالقوى الشيطانية والاستعمارية الكبرى، تريد للوطن العربي أن يتجزأ بحسب أهوائها وأمزجتها، كما تريد أن تشكل خارطة جديدة للأوطان عبر سايكس بيكو جديدة، أعدت سلفاً في العواصم الغربية بتعاون تام مع إسرائيل. لا يمكن للغرب أن يقوم بتقسيم أوطاننا العربية دون أن يختلق بعض الحركات المسلحة في هذه الدولة أو في تلك، لأجل إضعافها وخلخلتها ومن ثم زحزحتها، لكي تضطر الشعوب للاستجابة والانسياق خلف تلك الحركات العنيفة، ليتمكن الغرب بعدها من تقويض دول مهلهلة، فيفصِّل الوطن العربي على المقاسات الجديدة التي يريدها. ليست كل ثورات العرب الحاضرة، هي نتاج تدخلات غربية، وإن كنَّا نجزم حتى بعد قيامها، من وجود أيادٍ عبثية غربية تقف خلف الكثير منها، لكن بعضها قام وفق قوانين سياسية حتمية جراء ظلم ارتكبته تلك الأنظمة، إضافة لعدم استحقاق تلك الأنظمة البقاء في سدة الحكم، بسبب الممارسات الشرسة التي ارتكبتها في حق شعوبها. بغض النظر عن شرعية هذه الثورة أو عدم شرعية تلك، سنظل متمسكين بخيار التغيير الهادئ، وباستعمال كافة أدوات التغيير السلمية، حتى وإن لم يعجب البعض هذا الخيار، سواء من الأنظمة أو الشعوب، فالتجارب السياسية أثبتت فشل كل أنواع العنف وبكل درجاته حتى ولو أتى العنف أُكله خلال اللحظة الآنية، إلا في حالات استثنائية ضيقة جداً. لن نعير رأي من يرى في العنف لغة للتغيير أيَّة أهمية، فالعاطفة واندفاعاتها، لها نتائجها الكارثية، خصوصاً حين تصطبغ بلون السياسة. لا تغيير ولا حل لكل أزماتنا السياسية إلا عبر الوسائل والأدوات الهادئة. إذا كانت هنالك ثورات عربية شرعية حاضرة، فإنه يجب على العرب دعمها، والوقوف إلى جانبها وتحفيزها باتجاه التغيير نحو الأفضل، لكن في تصوري المتواضع، يكون خيار تسليحها معادلاً لفشلها، لأنها حتى وإن كانت تحمل شرعيتها في رحمها، فإن العنف سيجهضها عاجلاً أم آجلاً. العنف غريزة، والسِّلم كمال العقل، ومن يتبنى خيار العنف، فإنه سيظل عبر التاريخ أمام مسؤولية أخلاقية وربما دينية، لكن من يرى في السلم سبيلاً للخلاص، فإنه حتى وإن لن ينجح في تحقيق مراده، فإنه لن يرتكب جرائم وحماقات وأخطاء جسيمة، ليست لها علاقة بالدين ولا بكل القيم الأخلاقية والإنسانية، بطريقة سلبية قاتلة.