بعد بحث طويلٍ ومضنٍ قام به مع فريق عمله، توصّل جوناثان هايت، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة فيرجينيا الأمريكية، إلى ست أفكار أساسية تشكل دعائم للمبادئ الأخلاقية، وهي: الرعاية، والإنصاف، والحرية، والولاء، والسلطة، والقداسة. وإلى جانب هذه الأفكار، أبرز هايت موضوعات يحمل كل منها شحنةً أخلاقيةً، وهي: التديّن، والمجتمع المحلي، والهرميّة، والتقاليد، والخطيئة، والانحلال. أما وجهات النظر في رأيه فتتعدّى الفرد، وتنطلق باتجاه الجماعة بأسرها، حيث الافتراض السائد هنا هو أن الناس يجب أن يُعاملوا بشكل مختلف انطلاقاً من الدور الاجتماعي الذي يؤدّونه. فكبار السِّن يجب أن يلقوا التكريم، والمرؤوسون يجب أن يحصلوا على الحماية، ومثل هذه الأفكار تقمع أشكال التعبير الذاتي التي تضعف النسيج الاجتماعي، وتفترض المساعدة المتبادلة، وليس الاستقلالية؛ وتكافئ النظام، وليس المساواة. ويجادل هايت بأن الأنظمة الأخلاقية تحمل سمات مشتركةً في التاريخ، وتتخذ طابعاً كونياً شمولياً لأنها تتوافق مع الطبيعة الإنسانية، فنحن نكتسب الأخلاق بنفس الطريقة التي نتوصّل بها إلى الأطعمة المفضّلة لدينا، حيث نبدأ بما هو موجود أمامنا، فإذا كان مذاقه جيداً، فإننا نلتزم به، وإذا لم يكن كذلك، فنحن نرفضه. وبالمثل، فإن الناس يقبلون السلطة والعواقب الأخلاقية المترتبة عليها لأنها تتماشى مع قيمهم الأخلاقية، لذا فإنهم يعاقبون الغشّاشين، ويقبلون التسلسل الهرمي ولا يؤيدون التوزيع المتساوي للمنافع حينما تكون مساهمات البشر غير متساوية. ومن هذا المنطلق، يختلف هايت في تقييمه لأسباب التصويت للجمهوريين، فبينما يعتقد النفسانيون أن المحافظين يستغلون حاجة الناخبين الماسّة لشخصٍ خبيرٍ وموثوقٍ، ولذا يدفعونهم للتصويت ضد مصالحهم الذاتية، يرى هايت أن الرسائل التي يبعث بها الجمهوريون للناس تثير إعجابهم، لأنها تتوافق مع أسلوب تفكيرهم، مما يكسبها مزيداً من المصداقية، ومن ثم فإن العمال الذين يساندون القوى المتشدِّدة في المجتمع يصوِّتون للممارسات والمؤسسات والقيم الروحية والأسرية التي يؤمنون بها فعلاً، والتي تؤدِّي إلى تغليب مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد!.