حين تسأل أي مواطن شريف عما تمر به البحرين منذ فترة، فإنه يقول لك ذات العبارة: “متى ننتهي.. والله ملينا هذه الفوضى وهذا الإرهاب” غير أن أكثر جهة ملامة ربما عند رجل الشارع هي وزارة الداخلية، كون الوزارة مناطاً بها حفظ الأمن والقبض على الجناة والإرهابيين، والجميع يعرف أن قرار حفظ الأمن ليس قرار وزارة فقط، إنما هو قرار سياسي بامتياز. بالأمس خرج لنا صوت تجمع الفاتح يرفض الحوار قبل تحقيق الأمن، لكن لدي شعور لو قيل للتجمع غداً نبدأ الحوار مع الإرهابيين سوف يذهبون (ببشوتهم) ويجلسون! التجمع إن لم يكن له موقف قوي وحازم وصارم تجاه الإرهاب والأمن، فإن هذا التجمع يعبر عن مواقف أفراد وليس عن إرادة الجماهير. الإرهابي يضع شروطاً (وهو إرهابي) حتى يجلس على طاولة الحوار، ويضع إملاءات على الدولة وعلى المجتمع البحريني بأسره، لكن تجمع الفاتح لا يملك ثوابت واضحة ولا يعبر عن إرادة جماهيره، فإذا قيل لهم (يالله تعالوا.. الحوار بكرة بتشوفهم يركضون) وهذه مأساة حقيقية. فإن كان صوت التجمع ضعيفاً، أو يغيب بالأشهر عن الساحة (وهنا لا نقصد إقامة تجمع جماهيري، الناس ملت الكلام في الهوى، الناس تريد مواقف رجال) ومن ثم يعود بغزل للحوار، فإنه كمن يسكت دهراً وينطق....! نعم كل بحريني حقيقي يحب البحرين وأهلها يريد إنهاء الأزمة، لكن ما هو الثمن، وما هي الإملاءات، ومن الذي سوف يسدد الفاتورة؟ لماذا الأمريكان يذهبون ويجلسون مع أيادي الإرهاب؟ الأمريكان بخلاف تحالفهم الخفي مع الإرهابيين يرون أن هؤلاء المتحكمون في مجريات الأحداث، ذلك أن “تجمع الفاتح إكسسواري” وليس له وجود كقوة مؤثرة. إذا كان شخص ما لا يستطيع أن يتخذ مواقف قوية وهو يمثل جمعية كبيرة، فإما أن يعدِّل خط مساره ويعبر عن إرادة الجماهير التي فوَّضته لمهمته، وإما أن يترجل، فالثمن باهض هنا، الثمن هو سيادة وطن، وأمن البحرين، وأمن المجتمع، وهذا لن تقبل الجماهير التفريط بها. تضييع التجمع سيكون بمواقف ضعيفة وتصريحات هلامية، لا تفهم منها شيئاً، المسؤولية التاريخية تجعلنا نقول إن هذا التجمع صمام أمان للبحرين ولأمنها وسيادتها، فالولاء للأسرة المالكة أمر لا جدال فيه، لكن يجب التعبير عن المطالب الحقيقية لأهل البحرين دون عنف، ودون إرهاب، ودون شتيمة، ودون صفقات خارجية. التجمع هو من ولَّد شعوراً لدى الناس أنه تجمع طوارئ وأزمة، يظهر فيها، ويختفي بعدها، وهذا غير مقبول. التخبطات داخل التجمع والصراعات على المناصب أمر مخجل، بدل التفكير في قضية البحرين، صار التفكير في تصدر التجمع وضرب فلان وفلانة من أجل أن يصعد فلان..! نحبُّ الشيخ الفاضل عبد اللطيف المحمود ونقدره، وأنا ممن كتب خلال الدعوة لتجمع شباب الصحوة (الذين انصهروا وذابوا واختفوا فجأة كما ظهروا فجأة) في ذكرى التجمع الأولى، أن رمز التجمع الشيخ عبد اللطيف يجب أن يكون حاضراً، وقد تحدث مع الشباب بضرورة دعوة الشيخ للحضور، ووعدوا بزيارته في ذلك الحين، فنحن لا نتحدث لاستهداف شخص، هذا ليس نهجي أبداً، إنما تصحيح موقف، وإثبات وجود، والتعبير عن إرادة الجماهير، فدخول التجمع للثلاجة فترات طويلة كان غير مقبول، وسكوته عن تصريحات مستفزة أيضاً كان مريباً، وترك مقعد التجمع السياسي في الأحداث شاغراً أمر مريب أيضاً . ما تريده الوفاق والإرهابيون هو أن يخرج هذا الصوت المطالب بإنهاء الأزمة بسبب الأذى من الإرهاب والحرائق والقتل، هذه هي سياسة الوفاق حتى تضج الناس، وتقول نريد إنهاء الأزمة، بعدها تضع هي إملاءاتها لأنها الأزمة، ومع عميق الأسف ينساق تجمع مثل تجمع الفاتح خلف إرادة الوفاق. إنهاء الأزمة أول أبوابه وخطواته إيقاف الإرهاب في الشارع، ومعاقبة ومحاسبة كل فاعل ومحرض عليه بالقانون دون عفو أو أحكام ضعيفة، من بعد أن تستقر الأوضاع ويستتب الأمن بالإمكان التباحث حول ما إذا كنا نحتاج حواراً أصلاً. فحوار التوافق الوطني حدث وتم تطبيق توصياته، فهل نبقى نخرج من حوار وندخل في آخر، كل ذلك من أجل إرضاء أيادي الإرهاب والوفاق؟ لن يرضوا أبداً، أنتم تعرفون قبلنا ماذا تريد الوفاق، هم ليسوا دعاة إصلاح، وإنما دعاة خطوات أسرع للاستيلاء على البحرين، ويكون ذلك بغطاء الديمقراطية الزائفة. قلت ذلك ذات مرة، إن إذعان الدولة للإرهاب وخضوعها له، قد يتسبب في خروج جماعات أخرى إلى الساحة، حين ترى أن الدولة تستجيب وتخضع من خلال الإرهاب، وهذه رسالة خاطئة تمررها الدولة للمجتمع. لن يغفر التاريخ لمن يضيع أمانة البحرين، إن كان تجمعاً، أو دولة، فالإرهاب يا دولة لن يتوقف، حتى وإن أعطيتم الوفاق “ماء عينكم”. غداً سيحرقون البلد بمطالب أخرى (فانظروا ماذا بقي من ثمن يدفع)..؟