نحاول في كل مرَّة ألا نشطّ في كتاباتنا وآرائنا، ونحاول قدر المستطاع أن نمارس دور الرقيب والمراقب والناقد، كما نحاول أن نحِيد عن الفوضى ونتجنب الوقوف مع هذه الفئة أو تلك، نبذل قصارى جهودنا للوقوف مع الوطن، وأحايين كثيرة مع المواطنين العاديين. نحاول كذلك أن ننحاز للحق، حتى وإن كان طعمه مرّاً، فمتى ما كانت هناك فرصة لتبيان الحقيقة بالقدر المسموح به سنقولها من دون خوف أو وجل، وإن لم نظهرها فإنه إما لمصلحة خاصة أو ربما وجود عيب في القابلية وليس في القابل. هي محاولات يجتهد فيها الكاتب للوقوف على الصائب من الأمور، فيصيب أحياناً ويخطئ أخرى، ونظل هكذا نحاول حتى نتعلم لنصل إلى الحقيقة. كتَّاب الرأي ليسوا ملائكة وليسوا من فصيلة الكائنات المعصومة، ومن هذا المنطلق القويم نصاب بالدهشة حين تستباح دماؤهم وأعراضهم وأقلامهم من البعض، لمجرد أنهم لا يتفقون معهم في الرأي، ليس هذا فحسب؛ بل يتعرضون لحملات شرسة غير عادلة لا ترقى لمستوى النقد أو إبداء الرأي، لكنها تدخل في خانة المعارك القذرة ضد هذا الكاتب أو ذاك. إذا أخطأ الكاتب في تقدير أو رأي في مقال أو حتى في عشرة مقالات، فإن لغيرهم من السياسيين ومن بقية فئات المجتمع الأخرى من الأخطاء والموبقات الجسيمة ما يؤدي بها الحال إلى فضائع كبيرة، يشيب لهولها الطفل الرضيع. يطلبون من الكاتب أن يتحمل قساوة النقد، وهذا كلام لا غبار عليه، لكن هنالك فرق بين النقد والشتائم، هذا أولاً، كذلك هنالك فرق بين النقد وصناعة المعارك العنيفة على كل الجبهات ضد من نختلف معهم في الرأي. يجب أن يكون تقبل الآراء متبادلاً بين الكاتب وبين السياسي وغيره، فكما للكاتب هفوات وزلات فإن للسياسي مطبات ومستنقعات وأحياناً كثيرة يصنع للمجتمع بركاً من دم، أي ستظل تصرفات السياسيين الخاطئة مُكلفة للغاية، أما الكاتب فإنه مجرد كاتب فقط يخطئ ويصيب. قيل بالأمس، رب كلمة أنفذ من سهم أو طعنة، وهذا ينطبق على القلم الذي يتعمد إثارة الفتن والأحقاد وبث روح الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد في كل مرَّة، كما يحاول أن يرمي بالناس في أتون معارك غير محسوبة بكتاباته الطائشة، مثله كمثل الرصاص الطائش. هذا النوع من الكتَّاب ليسوا كُثراً في مجتمعنا، كما إنه من المستحيل أن تكون كل كتاباتهم تنساق خلف الدمار، لكن السياسيين جلُّهم من الصنف المدمر. لا ننزه كتَّاب الرأي، بل يجب أن يحاسبوا على كتاباتهم الفتنوية، لكن في الطرف المقابل يجب على السياسيين ألا ينزهوا أنفسهم أكثر مما يجب، فكلنا بشر يصيب ويخطئ، لكن المعيار الحقيقي للحق هو نكران الذات وحب الوطن، وما سواه يعتبر من أفتك (الجمبزات) وأشد التخرصات