تحولت الكتابات وأعمدة الرأي في الفترة الأخيرة في الصحافة “الوطنية” إلى مصدر للتساؤلات العديدة النابعة أساساً من تساؤلات المواطنين المخلصين.
لا تكاد تقرأ سطراً إلا ويحمل تساؤلاً يبحث عن إجابة سواء بشأن إجراءات يفترض أن تطبق بحسب القانون لكنها لا تتم، أو بشأن ممارسة خاطئة واضحة وضوح العين لكنها تمر مرور الكرام.
في دولة مؤسسات وقانون من حق الناس والصحافة التي تقولون عنها “سلطة رابعة”، من حقهم توجيه الأسئلة، ومن واجب الجهات المعنية أن تجيب وبوضوح وشفافية دون إخفاء لأية معلومات ودون تجاهل لهذه التساؤلات.
اليوم في البحرين، الإجابة عن تساؤلات المكونات المخلصة لهذا الوطن أهم بمراحل من المسارعة لإجابة تساؤلات تصدر عن جهات سقط القناع عن وجهها وبات الجميع يعرف إلى أين ولاؤها يتجه، لكن هذا لا يحصل.
التساؤلات تموج بالشارع البحريني الحائر بشأن الوضع الذي يعيشه كل يوم.
هذا الشارع يرى الممارسات الخاطئة ولكنه لا يرى الجزاء القانوني الذي يفترض أن يكون -منطقياً- الخطوة التالية. يتساءل لكن المعنيين لا يجيبون، وإن أجابوا فإنهم يقدمون إجابات تزيد في حيرة الناس ولا تمنحهم جواباً شافياً وافياً.
بالأمس تساءلنا عن وضعية طيف من أطياف التأزيم، يدعي هذا الطيف أنه من يقود الناس في الشارع، ويمارس التحريض العلني الصريح، ويحشد في مسيرات وتجمعات غير قانونية ضد الدولة والنظام، ويمنح المساحة الواسعة لمن يريد التطاول حتى على رموز البلد ليفعل ما يريد، وفي المقابل نسأل عن الإجراءات بحق من يقوم بهذه الأفعال المتنافية مع القوانين المعمول بها في المملكة فلا نجد إجابة، وإن وجدت فهي ليست إجابة صريحة وواضحة.
حسب المفهوم أعلاه، فإن من يمارس التحريض ضد الدولة اليوم لا يطوله القانون، بل يطوله الكلام فقط.
هنا نريد الإجابات: أين الإجراءات التي اتخذت تجاه المحرضين ضد الدولة؟! أليس لدينا قانون يجرم هذه الأفعال؟! أليس ما يُرتكب يعتبر تجاوزاً للقانون؟! لماذا لا يطبق القانون على متجاوزيه بالتالي؟!
مع كل التقدير لجهود وزارة الداخلية والقائمين عليها ورجالها الذين يضحون بأنفسهم لأجل الوطن والمواطنين، لكن حينما نعلم بأن الوزارة رخصت خلال عام 2012 لعدد ضخم من المسيرات والتجمعات “88 مسيرة” وأن أغلبها شهد انحرافات وخروجاً على النص، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يتم السماح لإقامتها وهي في النهاية تنحرف وتتحول إلى فعاليات تحريضية تسقيطية وإلى مواجهات مع رجال الأمن؟!
في بيان سابق قبل أيام بينت الوزارة بأن القائمين على هذه المسيرات لا يمتلكون القدرة للسيطرة عليها، وهنا أيضاً سؤال يطرح وهو لماذا يمنحون بالتالي الترخيص لمسيرات قادمة إن كانوا بالفعل غير قادرين على إدارتها وضبطها؟!
طبعاً لا إجابات واضحة، والناس تظل تتساءل وتتساءل، والأجهزة المعنية لا تجيب بشكل صريح. هل استدعيتموهم، وهل تعهدوا بعدم تكرار هذه التجاوزات، وهل سيتم منعهم في حال تكررت؟! هذه الجزئية الأخيرة هي التي تكون دائماً غائبة عمّا يصدر من بيانات وتصريحات. الناس تريد أن تعرف “وماذا بعد”، لكن المعلومات التي تعلن ناقصة دائماً.
في شأن التجمعات والمسيرات ليس حل المسألة فقط بتحديد مناطق لها حتى لا تؤثر على المناطق الحيوية في البلد وحتى لا تعرقل الحياة العامة، بل أيضاً بتطبيق القانون بصرامة، إذ من تتحول مسيراته من السلمية إلى العنف، ومن تتضمن تحريضاً على كراهية النظام مع “سبق الإصرار والترصد” -وكلها أمور مجرمة في قانون التجمعات والمسيرات- يجب محاسبته بالقانون، ومن يعجز عن ضبط هذه المسيرات مرةً ومرتين وثلاثاً يجب عدم التساهل في منحه الترخيص كلما طلبه، وكأنه يطلب تذكرة دخول لعبة في مدينة ملاهٍ.
هم لا يستطيعون ضبط مسيرة أو اثنتين، فهل من المنطقي منحهم تراخيص لقرابة تسعين مسيرة؟!
ما نعرفه أن في هذا البلد قانوناً، وأن المخطئ يجب تطبيق القانون عليه، من يثبت عليه التجاوز تجب محاسبته، والبريء بالضرورة تُبرَّأ ساحته، لا مبرر لتعطيل القانون، ولا يقبل بأن يتم التطبيق في حالة دون أخرى وهما تتشابهان في الظروف والتجاوزات.
تقولون إننا في بلد قانون ومؤسسات، طيب أثبتوا للناس ذلك، أجيبوا عن تساؤلاتهم الحائرة، واعرضوا لنا ما تم اتخاذه من إجراءات لضمان الحفاظ على أمن وسلامة البلد وأهلها والمقيمين فيها، وقبل ذلك ما تم اتخاذه لإثبات أن القانون فوق الجميع وأن الكل سواسية أمامه.
حينما نرى تخريب البلد يزداد وتحديداً في مسيرات “مرخصة”، وحينما نرى التحريض حاضراً في كل تجمع “مرخص”، لابد لنا أن نسائل مطبقي القانون، إذ هل القانون بالفعل يطبق؟!
- اتجاه معاكس..
وزير العمل من الواضح أنه لا يريد اتخاذ أية تدابير قانونية بحق اتحاد العمال “الطائفي” الذي كان أحد أهم عناصر التحريض على شل البلد وإحدى دعائم الانقلاب.
ولا إجراء قانونياً واحداً اتخذه بحق هذا الاتحاد، بل الوزارة تجاهلت كل الانتقادات وكل تحركات النقابات الوطنية المخالفة للاتحاد، وعلى عكس الشخصيات النقابية الوطنية التي تحارب الآن فإن رئيس الاتحاد المحرض الذي دعا الناس للإضراب العام هو أكثر من شرب الشاي في مكتب الوزير، وهو الجالس دائماً بجانبه في الاجتماعات الدولية.
واضح أننا وصلنا لطريق مسدود في هذا الشأن، لديكم يا دولة وزير لا يريد تطبيق القانون على اتحاد تحريضي انقلابي وضعه غير قانوني، فهل هذا وضع تسكت عليه الدولة التي تعلن صراحة محاربتها الأخطاء وكل أشكال الفساد الإداري؟!