سبقت وتلت جولة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الشرق أوسطية الخاطفة الأخيرة التي استهلتها بمصر وأنهتها في إسرائيل مجموعة من التعليقات المشفوعة بالأسئلة، وكلاهما كان، التعليقات والتساؤلات، يحملان في ثناياهما الكثير من الإشارات التي يتوقع أن تنعكس على الوشائج التي ستحكم العلاقات الأمريكية مع البلدين، مصر وإسرائيل، وذلك لأسباب تتعلق بالأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، والثقل الذي يمثله البلدان، مصر وإسرائيل، مجتمعين أو كل على حدة في الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة المرتبط بشكل وثيق بالحيز الذي شغلته، ومن الطبيعي أن تطمح واشنطن أن تحافظ عليه أو توسع من مساحته في خارطة تلك الجغرافيا السياسية.
وإذا بدأنا بالقاهرة؛ فأول التعليقات التي تواجهنا ما ورد في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية التي قالت إن “زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لمصر هي جزء من رسالة تهدف إلى إقناع المصريين بأن الولايات المتحدة تسعى إلى الود والمشاركة وليس إلى الترهيب والتدخل”، مضيفة “أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون درست قبل الزيارة جهود مصر في تحديد مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير ولذلك أكدت على دعم واشنطن للتحول الكامل إلى الحكم المدني وعودة قواتها العسكرية إلى دورها في تحقيق أمن وطني بحت”، مؤكدة “أن كلينتون أعلنت أن محادثاتها مع مرسي كانت بناءة وتركزت على كيفية أن تستمر الولايات المتحدة في دعم الشعب المصري خاصة على الصعيد الاقتصادي وتقديم الحزمة التي وعد بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإعفاء مصر من مليار دولار من ديونها للولايات المتحدة، مع تعزيز التجارة والاستثمار والتجارة لتوفير وظائف واستعداد لتقديم ائتمان بـ250 مليون دولار لمصر”.
في السياق ذاته أشارت صحيفة “ذا هيل” المقربة من الكونغرس الأمريكي كما أوردت “اليوم السابع” على موقعها الإلكتروني ما مفاده أن زيارة كلينتون “قد تثير الجدل داخل الكابيتول هيل، وسط تزايد الدعوات داخل مجلس الشيوخ بشأن إعادة النظر في المساعدات الخارجية لمصر وشجب انتخاب رئيس إسلامي، (مضيفة بأن)، السيناتور الجمهوري النائب عن فلوريدا ألين ويست، قد كتب على صفحته بـالفيسبوك، أن الربيع العربي ليس أكثر من كابوس إسلامي متطرف، (لافتة) إلى أن الإدارة الأمريكية تنتهج سياسة حذرة مع مرشح الإخوان المسلمين المنتخب، لأن الجماعة نسب لها حوادث عنف في الماضي”.
مقابل ذلك، ومن على الضفة المصرية، ارتفعت بعض الأصوات مثل رئيس لجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى عن حزب الحرية والعدالة رضا فهمي، الذي نقل على لسانه في لقاء مع الإعلامية جيهان منصور خلال برنامج “صباحك يا مصر” على قناة دريم، تحذيراته من أنة “ينظر للزيارة التي تقوم بها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لمصر بنظرة ريبة وتشكك، (لكونها كما يرى فهمي) محاولة لقياس عضلات الرئيس الجديد ومدى قدرته على اتخاذ جملة من القرارات في صالح الشعب المصري، حتى لو تعارضت مع مصالح القوى الكبرى”.
أما المتحدث الرسمي باسم الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور والمستشار بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وحيد عبدالمجيد، فقد اعتبر زيارة كلينتون أنها لا تعدو كونها “استطلاعية للتعرف على مسألة الصراع على السلطة، خاصة أن الجزء الأكبر من الإدارة الأمريكية يميل إلى تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب، فيما يعد المجلس العسكري الخيار الأفضل للبنتاغون ووزارة الدفاع، (منوهاً إلى) أن جماعة الإخوان المسلمين تتحمل مع المجلس العسكري مسؤولية الوضع بالغ الخطورة الذي وصلت إليه مصر، بإصرارها على الدفع بمرشح للرئاسة ظناً منها أنها أصبحت مقبولة دولياً، دون الالتفات إلى أن هناك قوى سياسية تتربص بالرئيس الإخواني منذ اللحظة الأولى وتريد إسقاطه، ووصل بها الحال للمطالبة بانقلاب عسكري”.
ولابد لنا هنا من التوقف ولو في شيء من العجالة مع ما أشار إليه الداعية المنتسب لجماعة الإخوان في مصر في إحدى تغريداته على “تويتر” التي قال فيها، أثناء الزيارة الرسمية التي تقوم بها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى مصر “أنه لا يمكن تماماً أن تسير المعادلة في خط متواز لأن نهضة العرب = تدمير إسرائيل، وما بنيت دولة إسرائيل وأصبحت قطعة من أوروبا إلا بتدمير دولة العرب، وأن استمرار الحكم العسكري في مصر الضامن الوحيد لوجود إسرائيل وتخلف وتدمير العرب”.
آخذاً بعين الاعتبار ما تمثله تلك الإشارات والتعليقات، التي سبقت وتزامنت، وتلت أيضاً زيارة كلينتون الأخيرة لمصر، من أهمية عند تقويم هذه الزيارة، تساعد من يراقب تطور العلاقات المصرية - الأمريكية على إثارة التساؤلات أمام الإدارتين الحاكمتين في واشنطن وقبلها القاهرة.
أول تلك التساؤلات هو: لماذا هذا الانحراف، ولا نقول الانحياز الأمريكي المفاجئ نحو مصر، وبمثل هذه السرعة، وفي هذه المرحلة المبكرة من وصول جماعة الإخوان المسلمين شبه منفردين بالسلطة في مصر؟ آخذين في الاعتبار تطور الموقف الأمريكي على امتداد العامين المنصرمين الذين شهدا التطورات التي آلت بالأمور إلى ما هي عليه اليوم في مصر، حيث تحول الموقف الأمريكي، ولو بشكل بطيء وحذر، من موقف معاد لثورة 25 يناير ومساند لحليف واشنطن في المنطقة والذي كان حسني مبارك قبل خلعه، إلى مناد بحلول وسط بين الطرفين المتنازعين، كي يصل اليوم إلى ما يقترب من محاولات التقرب المشوبة بنكهة من التأييد، وإن كان الحذر والمتردد إلى حد ما من السلطة القائمة في مصر.
أما ثانيها فهو؛ كيف بوسع واشنطن، والتي تعاني هي ذاتها من كثير من أعراض الضعف الداخلي والتردد على الصعيد الخارجي، أن توفق في سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص مع مصر الذي يموج بالتحولات ويعج بالتناقضات، التي تكفي الإشارة إلى واحد منها، والذي يقع في صلب جولة كلينتون الشرق أوسطية، وهو الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي تمثل مصر واحداً من أهم عناصر موازين القوى فيه، خاصة عندما يؤخذ في الحسبان العلاقة التاريخية والعقدية التي تربط بين النظام الجديد في مصر وحركة حماس في فلسطين.
أما ثالثهما وهو يتعلق بالشأن الداخلي المصري المحض؛ إذ كيف ستتمكن واشنطن من الوصول إلى الصيغة المناسبة القابلة للتنفيذ، في معادلة العلاقات الجديدة التي ستحاول نسجها مع طرفي القوى القائمة في مصر، وأولهما القادمون الجدد، وهم جماعة الإخوان، حاملين معهم إرث العداء المتبادل مع الولايات المتحدة، سواء في مصر أو في مناطق أخرى من العالم، والثاني هم الطاقم العسكري القديم الذي لايزال يحتفظ بحصة في تقرير سياسات الحكم الجديد، والذي كانت تحكم واشنطن معه علاقات مميزة، حتى إبان حكم مبارك، والتي كان يشاع أن واشنطن كانت تراعيها عند توقيع الاتفاقيات العسكرية، وتضعها تحت بنود غامضة ومموهة