صم، معناها: امسك عن الطعام، الشراب، الكلام، المعاصي والذنوب، وكل ما هو محظور، لمدة شهر، يستعيد فيها الجسم فتح مسارات الطاقة، والتخلص من السموم المتراكمة من الفترة السابقة. فالصوم من مطلع الفجر إلى غروب الشمس، واحد من أهم الطرق الصحية، يستطيع فيها الصائم الوصول إلى مرحلة التوازن بين فيزياء الجسد وفيزياء الفكر، ومن أهم الطرق النفسية أيضاً، حيث عبرها ومن خلال ممارستها يعود الإنسان إلى فطرته التي خلق عليها. إلى قوته وحيويته وشبابه. ومن المعروف لنا أن هذا الشهر كان يسمى قديماً شهر “ناتق”، ولما غيّر الاسم وافق زمن الحر والرمض، والرمضاء هي شدة الحر. ويقال: رمضت الحجارة إذا سخنت بتأثير أشعة الشمس. من الناحية الصحية، معروف علمياً، كما طرح في أكثر من دراسة، أن يبدأ الجسم أولاً باستهلاك الخلايا المريضة أو التالفة أو الهرمة، وبعد الصيام ومع تناول الإفطار تتجدد بناء هذه الخلايا بخلايا جديدة تعطي الجسم قوة ونشاط وحيوية. شهر رمضان فرصة حقيقة لتجديد الشباب وزيادة حيوية وعمل الخلايا وذلك لأن الصوم يؤدى إلى تأثيرين مهمين وهما، كما يرى الأطباء الذين حللوا تجربة الصيام: أولاً: أثناء استهلاك الجسم للمواد المتراكمة منه أثناء فترة الصيام فإن من بين هذه المواد المتراكمة الدهون المتراكمة والملتصقة بجدران الأوعية الدموية فيؤدي ذلك إلى إذابتها تماماً كما يذيب الماء الثلج، وبالتالي زيادة تدفق الدم خلال هذه الأوعية وزيادة نسبة الأكسجين والغذاء الواصل إلى الخلايا عبر هذا الدم، وبالتالي تزداد حيوية وعمل الخلايا، لذلك نرى أن الشخص الذي يحافظ على الصيام تقل إصابته بمرض تصلب الشرايين وتتأخر عنده علامات الشيخوخة. ثانياً: انتهاء وتحلل الخلايا التالفة واستبدالها بخلايا جديدة ونشطة يزيد من عمل وقوة وظائف الجسم المختلفة، لذلك يشعر الإنسان بعد انتهاء شهر الصوم بنقاء جسمه وزيادة طاقته وصفاء نفسه. ويعتبر الصيام علاجاً فعالاً أو مساعداً لكثير من الأمراض ومن بين هذه الأمراض الذي يؤثر في شفائها وعلاجها الصوم الآتي: - أمراض الحساسية: بعض أمراض الحساسية تزيد بتناول أنواع معينة من الأطعمة بعضها معروف مثل السمك، البيض، الشكولاتة، الموز، والبعض الآخر غير معروف، وأثناء الصيام يستريح الجسم من هذه الأطعمة وبالتالي يشعر مرضى الحساسية براحة كبيرة مع الصيام. - حب الشباب والبشرة الذهنية والدمامل والبثور والتهاب الثنايا يزداد بالوجبات كثيرة الدهون، وهذه الأمراض تتحسن كثيراً بالصيام. - يخفف الصيام من أعراض وعلامات فشل القلب وذلك لأن الصيام يقلل من شرب السوائل ويقلل من تناول الأغذية، إضافة إلى إذابة الدهون من الأوعية الدموية يحسن من عمل القلب وبالتالي يقلل من أعراض مرض القلب عند المصابين به. - السمنة أو زيادة الوزن: يعتبر شهر رمضان طبيب تخسيس مجاني وفرصة عظيمة لذوي الوزن الزائد بشرط أن يتم الالتزام بشروط شهر رمضان الصحية كالاعتدال في الأكل وزيادة الحركة والإقلال من النوم والكسل. - يعالج الصوم كثيراً من مشكلات الجهاز الهضمي مثل زيادة الحموضة والقولون العصبي وعسر الهضم وانتفاخات البطن ذلك لأن امتناع الشخص الصائم عن الأكل والشرب طوال فترة الصوم يعطي فرصة لعضلات وأغشية الجهاز الهضمي بأن تتقوى وتزداد عملها وحيويتها. كما يلعب العامل النفسي دوراً كبيراً في شفاء بعض علل الجهاز الهضمي مثل القولون العصبي وذلك نتيجة لما يسببه شهر رمضان من السعادة والبهجة وطمأنينة النفس وهدوء البال. وإذا جئنا إلى الناحية النفسية، فالصوم يقوم بتهذيب للنفس وصقل لها وتدريب إيجابي ومتوازن ومقنع للفرد والمؤمن، القدرة على ضبط الشهوات وتقوية الإرادة والعزيمة والتحكم في السلوك والشعور بالمسؤولية ومعرفة قيمة الآخرين، وتقوية الحس الداخلي وتنمية الضمير وممارسة الصبر كخصلة حميدة ومثمرة ومجاهدة النفس في كافة الاتجاهات وتنمية الدوافع الإيمانية والأخوية من الرحمة وحب الفقراء والاطمئنان والراحة النفسية الكاملة وأخيراً القدرة على مواجهة الحالات النفسية المؤلمة. من هنا نقف أمام الجملة أو الحكمة التي طالما رددناها كثيراً وهي (صوموا تصحوا)، والصحة هنا مطلقة، العضوية والنفسية. صوموا فإن الصوم يعيد لكم كل ما فقدتموه، روحياً وجسدياً، في البحث اليومي عن الفاني والمؤقت والزائل.