قامت نخبة من علماء النفس والاقتصاد بالجامعات الأمريكية والكندية بإجراء تجارب عديدة لمعرفة كيفية تأثير المال على أخلاق البشر، وقد جاءت نتائج تلك التجارب مذهلةً للغاية.
قام العلماء بتقسيم “500” متطوع للمشاركة في التجارب الميدانية إلى مجموعتين: مجموعة تجريبية أرغموا أصحابها على التفكير غير المقصود في المال، ومجموعة أخرى تُركت بلا تدخّل؛ وفي المرحلة الأُولى طُلب من المشاركين تكوين جملة من عينة مختارة من الكلمات عديمة المغزى، حيث أُعطيت المجموعة الأُولى كلمات تضمّنت إيحاءات تتعلق بالمال، بينما كانت الكلمات المقدمة للمجموعة الثانية محايدةً، ثم طُلب من المجموعتين تكوين أشكال هندسية، واتضح أن أفراد المجموعة التي كوّنت جملاً عن المال تمكّنوا من إنجاز المهمة بشكل أفضل.
في التجربة الثانية عرض الباحثون على المشاركين في المجموعة الأُولى صوراً حاسوبيةً عليها رسوم لرموز مالية بينما قُدمت لأفراد المجموعة الثانية صورة لحوض مائي للأسماك، وطلبوا من المتطوعين التفكير في مادة إعلانية، وتبيّن أن “83%” من المشاركين الذين عرضت عليهم صور لقطع مالية اختاروا العمل الحر، بينما لم تزد هذه النسبة في المجموعة الثانية عن “30%”؛ أما في التجربة الثالثة، فقد قُسِّم المشاركون إلى ثلاث مجموعات، حيث عُرضت أمام أفراد المجموعة الأُولى نقود حقيقية، بينما شاهد أفراد المجموعة الثانية نقوداً مصطنعةً، ولم يُعرض على المجموعة الثالثة أي شيء، وبعد ذلك تم تقديم تمرين صعب للمشاركين، وعرض الباحثون على المشاركين مساعدتهم في إنجاز التمرين، واتضح أن الناس الذين شاهدوا نقوداً حقيقيةً امتنعوا في الغالب عن قبول المساعدة أكثر مما امتنع أقرانهم في المجموعتين الأخريين.
ومن واقع نتائج هذه التجارب، خلص العلماء إلى أن المال يحفِّز الإنسان على النجاح، ويحمله على الثقة في إمكاناته الذاتية، ويجعله شخصاً مستقلاً، غير أن “الأثرياء” المحتملين لا يشعرون بالحاجة إلى الاختلاط بالناس، وقلّما يهبّون لمساعدتهم، باعتبار أن الفرد ينبغي أن يحِّل مشكلاته بنفسه، وهذا يعني أن الثراء يحيل البشر إلى كائنات أنانية ومعزولة، وعوضاً عن أن يندفع الإنسان تلقائياً لمؤازرة الآخرين، تجده يصّد عنهم مكتفياً بالتفرّج على معاناتهم وآلامهم