تفاقمت خلال الأشهر الماضية الأزمة السياسية بتعقيداتها الاجتماعية والأمنية، دون أن يبدو في الأفق بوادر للحل بالرغم من الجهود الكبيرة والتنازلات المتتالية من قبل السلطة، وتبين من خلال المتابعة أن التخندق السياسي- الطائفي، بتقاطعاته الخارجية يمنع التحرك نحو الحل الوسط السياسي، ويبدو جلياً أن هذا التخندق يجد من يشجعه من الداخل والخارج، فيزداد غروراً وقناعة بأن أي حل وسط سياسي سوف يكون بطعم الهزيمة لا بطعم الانتصار، خصوصا أن المعارضة التي تورطت في ذلك بسقوف المطالب العالية، وبخداع مريديها والإيحاء لهم بأن” النصر قريب”، بات من الصعب عليها التحرك نحو منطقة الوسط، لسبب بسيط وهي أن هذه المنطقة كانت دائماً موجودة ومطروحة ولم يكن هنالك أي داع لكل هذه التضحيات ولهذه الفوضى العارمة للوصول إليها. وبالتالي فإن القبول بالحل الوسط السياسي بمتطلباته العملية الواقعية سوف يترجمه أقصى يسار المعارضة على أنه هزيمة للمعارضة، وسوف يترجمه الآخرون بأنه الحل الذي كان مطروحاً أصلاً منذ فبراير 2011. ومن هنا فلا مناص من إعادة تأهيل المعارضة لمساعدتها على تجاوز نفسها ومراجعة أخطائها ومصالحة نفسها مع المجتمع.
وقد يقول قائل وماذا بشأن السلطة؟
والجواب: إن السلطة قد أعادت تأهيل نفسها بنفسها من خلال 3 مستويات متكاملة:
- الدعوة إلى الحوار المفتوح دون شروط في مواجهة الأزمة، من أجل حل وسط سياسي مقبول يراعي مصالح جميع الأطراف، هذا الحوار الذي رفضته المعارضة لغرورها وسذاجتها ولخضوعها للمؤثرات الخارجية التي تدفعها إلى التطرف والبحث عن الأقصى بدلاً من القبول بالممكن.
- تشكيل لجنة تقصي الحقائق التي برأت السلطة من أية اتهامات خطيرة تتعلق بادعاءات القتل والتعذيب والتمييز الممنهج وغير ذلك من الاتهامات التي فشلت المعارضة وداعموها في الخارج من إلصاقها بها.
- تنظيم حوار للتوافق الوطني غابت عنه المعارضة بعد أن شاركت في بداياته من أجل إفشاله وقد شكلت مخرجاته باقة من المقترحات للدفع بالإصلاح نحو أفق أرحب، التزمت الدولة بتنفيذه بالفعل، بما في ذلك إجراء إصلاحات وتعديلات دستورية مهمة وتعديل وإصلاح قوانين في اتجاه تعزيز حقوق الإنسان والحريات ودولة المؤسسات.
السلطة خطت خطوات واسعة للمساعدة على الوصول إلى هذا الحل، ولكنها لم تلمس من المعارضة إلى تاريخه أي جهد يبذل على صعيد المساعدة على إيجاد هذا الحل، فهي تقف عند محطة مطالبها التي تعتبر نهائية وغير قابلة للتفاوض حولها، بل تعتبرها خطاً أحمر لن تتنازل عنه وتكرر ذلك يومياً أمام جمهورها الذي أرهقه الانتظار ومل من الوعود الكاذبة بالانتصار الوهمي ومن النداءات المبرمجة عبر الفضائيات الخارجية.
عملياً المطلب الجوهري للمعارضة “حوله شبه إجماع مضمر والاختلاف فقط هو حول التصريح به من عدمه” يدور حول ضرورة تغيير النظام “وفقاً للقدر المشترك الذي يجمعها في وثيقة المنامة” ويبدأ الخلاف بعد ذلك حول التكتيكات، بين من يرى ضرورة مواصلة “النضال” إلى أخر رمق لتحقيق أهداف الثورة المزعومة على النمط الخميني، وبين من يرى القبول بالمرحلية في تحقيق نفس الهدف، من خلال تجريد النظام من جزء من سلطته في مرحلة أولى، بما يتيح تغييره في مرحلة لاحقة بسهولة أكبر، من خلال التعاون والتنسيق مع القوى الخارجية والإقليمية الحليفة، وبمعاونتها السياسية واللوجستية والإعلامية، تتم ترجمة ذلك من خلال المطالبة بسلطة تشريعية كاملة وتحويل مجلس الشورى إلى مجرد مجلس استشاري، ثم تشكيل السلطة التنفيذية بناء على نتائج الانتخابات، ولعل هذا التكتيك المكشوف، هو ما يجعل السلطة لا تثق كثيراً بأطروحات المعارضة، فبقدر ما الحكومة راغبة بالفعل في الإصلاح “لأنه في مصلحتها وفي مصلحة المجتمع ومصلحة الاستقرار والنماء” فإنها ترى ضرورة أن تسير الأمور وفق منطق تدريجي، ومن خلال توافق وطني يراعي مصلحة الجميع، أي بإدخال بقية مكونات المجتمع السياسي والمدني في المعادلة بما يمنع تغول المعارضة المتطرفة، ويدفعها واقعياً نحو الحل الوسط السياسي، بالقبول بالتحول التدريجي نحو نحو حل سياسي توافقي، بما في ذلك انتخاب سلطة تشريعية كاملة الصلاحيات في مجال التشريع، مروراً في البداية بتعزيز صلاحيات مجلس النواب والتقليل من صلاحيات مجلس الشورى، وصولا بعد ذلك إلى جعل هذه الصلاحيات محصورة في تقديم القراءة الأولى لمشروعات القوانين من وجهة نظر استشارية.
جوهرياً لا يوجد خلاف كبير حول الأهداف السياسية المستقبلية، الخلاف هو حول التوقيت والمدى والخطوات المطلوبة في المرحلة الحالية وفي المرحلة المستقبلية، وباختصار حول بناء الثقة، ولذلك نعتقد أنه يجب أن تبدأ المرحلة الجديدة بإعادة تأهيل المعارضة من خلال العمل على دمجها مجدداً ضمن الحراك السياسي الواقعي الإصلاحي وتشجيعها على الدخول في حوار الحل الوسط السياسي “الحقيقي” الذي يعني القبول بحلول مرحلية متوازنة وتوافقية تراعي مصالح الجميع، ضمن أجندة زمنية واضحة، ولن يتم ذلك إلا عبر الحوار المنشود، الذي لا يمكن أن يبدأ في ظل استمرار العنف والفوضى والتعدي على القانون.
{{ article.visit_count }}
وقد يقول قائل وماذا بشأن السلطة؟
والجواب: إن السلطة قد أعادت تأهيل نفسها بنفسها من خلال 3 مستويات متكاملة:
- الدعوة إلى الحوار المفتوح دون شروط في مواجهة الأزمة، من أجل حل وسط سياسي مقبول يراعي مصالح جميع الأطراف، هذا الحوار الذي رفضته المعارضة لغرورها وسذاجتها ولخضوعها للمؤثرات الخارجية التي تدفعها إلى التطرف والبحث عن الأقصى بدلاً من القبول بالممكن.
- تشكيل لجنة تقصي الحقائق التي برأت السلطة من أية اتهامات خطيرة تتعلق بادعاءات القتل والتعذيب والتمييز الممنهج وغير ذلك من الاتهامات التي فشلت المعارضة وداعموها في الخارج من إلصاقها بها.
- تنظيم حوار للتوافق الوطني غابت عنه المعارضة بعد أن شاركت في بداياته من أجل إفشاله وقد شكلت مخرجاته باقة من المقترحات للدفع بالإصلاح نحو أفق أرحب، التزمت الدولة بتنفيذه بالفعل، بما في ذلك إجراء إصلاحات وتعديلات دستورية مهمة وتعديل وإصلاح قوانين في اتجاه تعزيز حقوق الإنسان والحريات ودولة المؤسسات.
السلطة خطت خطوات واسعة للمساعدة على الوصول إلى هذا الحل، ولكنها لم تلمس من المعارضة إلى تاريخه أي جهد يبذل على صعيد المساعدة على إيجاد هذا الحل، فهي تقف عند محطة مطالبها التي تعتبر نهائية وغير قابلة للتفاوض حولها، بل تعتبرها خطاً أحمر لن تتنازل عنه وتكرر ذلك يومياً أمام جمهورها الذي أرهقه الانتظار ومل من الوعود الكاذبة بالانتصار الوهمي ومن النداءات المبرمجة عبر الفضائيات الخارجية.
عملياً المطلب الجوهري للمعارضة “حوله شبه إجماع مضمر والاختلاف فقط هو حول التصريح به من عدمه” يدور حول ضرورة تغيير النظام “وفقاً للقدر المشترك الذي يجمعها في وثيقة المنامة” ويبدأ الخلاف بعد ذلك حول التكتيكات، بين من يرى ضرورة مواصلة “النضال” إلى أخر رمق لتحقيق أهداف الثورة المزعومة على النمط الخميني، وبين من يرى القبول بالمرحلية في تحقيق نفس الهدف، من خلال تجريد النظام من جزء من سلطته في مرحلة أولى، بما يتيح تغييره في مرحلة لاحقة بسهولة أكبر، من خلال التعاون والتنسيق مع القوى الخارجية والإقليمية الحليفة، وبمعاونتها السياسية واللوجستية والإعلامية، تتم ترجمة ذلك من خلال المطالبة بسلطة تشريعية كاملة وتحويل مجلس الشورى إلى مجرد مجلس استشاري، ثم تشكيل السلطة التنفيذية بناء على نتائج الانتخابات، ولعل هذا التكتيك المكشوف، هو ما يجعل السلطة لا تثق كثيراً بأطروحات المعارضة، فبقدر ما الحكومة راغبة بالفعل في الإصلاح “لأنه في مصلحتها وفي مصلحة المجتمع ومصلحة الاستقرار والنماء” فإنها ترى ضرورة أن تسير الأمور وفق منطق تدريجي، ومن خلال توافق وطني يراعي مصلحة الجميع، أي بإدخال بقية مكونات المجتمع السياسي والمدني في المعادلة بما يمنع تغول المعارضة المتطرفة، ويدفعها واقعياً نحو الحل الوسط السياسي، بالقبول بالتحول التدريجي نحو نحو حل سياسي توافقي، بما في ذلك انتخاب سلطة تشريعية كاملة الصلاحيات في مجال التشريع، مروراً في البداية بتعزيز صلاحيات مجلس النواب والتقليل من صلاحيات مجلس الشورى، وصولا بعد ذلك إلى جعل هذه الصلاحيات محصورة في تقديم القراءة الأولى لمشروعات القوانين من وجهة نظر استشارية.
جوهرياً لا يوجد خلاف كبير حول الأهداف السياسية المستقبلية، الخلاف هو حول التوقيت والمدى والخطوات المطلوبة في المرحلة الحالية وفي المرحلة المستقبلية، وباختصار حول بناء الثقة، ولذلك نعتقد أنه يجب أن تبدأ المرحلة الجديدة بإعادة تأهيل المعارضة من خلال العمل على دمجها مجدداً ضمن الحراك السياسي الواقعي الإصلاحي وتشجيعها على الدخول في حوار الحل الوسط السياسي “الحقيقي” الذي يعني القبول بحلول مرحلية متوازنة وتوافقية تراعي مصالح الجميع، ضمن أجندة زمنية واضحة، ولن يتم ذلك إلا عبر الحوار المنشود، الذي لا يمكن أن يبدأ في ظل استمرار العنف والفوضى والتعدي على القانون.