قبل الدخول في الثلث الأخير من رمضان بيومين صدر عن الجمعيات السياسية قرار بالتوقف عن كافة الممارسات الميدانية في العشر الأواخر لما فيها من مناسبات دينية كذكرى وفاة الإمام علي وليالي القدر، ودعت تلك الجمعيات «الوفاق ومن يدور في فلكها» القوى الأخرى المتمثلة في الشباب المنتمي والمؤيد لمايسمى أتلاف 14 فبراير والذي يقود الشارع إلى التوقف عن مختلف الفعاليات المعطلة لحياة الناس. لكن شيئاً من هذا لم يتحقق حيث استمرت السلوكيات المؤذية والمعطلة للحياة وبشكل بدا أكثر شراسة، وهذا يعني أحد أمرين، إما أن تلك الجمعيات لم تكن جادة في دعوتها ويعلم الشباب أنها مجرد دعوة لإبراء الذمة، وإما أن الشباب يريدون أن يقولوا لتلك الجمعيات إن الشارع بيدهم هم، وإنه لا قيمة لها ولا رأي محترم لديهم فالشباب غير قابل بالخطوة التي تمهد الجمعيات السياسية بها للدخول في حوار مع السلطة.
أما «الإما» الأولى فتحتمل الوجهين وأما «الإما» الثانية فهي اليوم واقع وتعني من بين ما تعنيه أن الشباب المنتمي للائتلاف والمناصر له رافض لتفكير وتوجهات الجمعيات السياسية وأنه هو الذي يقود الشارع وهو وحده القادر على تهدئته إن أراد وليس الجمعيات السياسية التي تنادي بالإصلاح، وهذا يعني أيضاً أن أي حوار يتم بين السلطة وتلك الجمعيات لن يفضي إلى نتيجة إيجابية لأن الشباب الذي يحكم الشارع لن يقبل به. وهو يعني أيضاً أن أي حوار يراد له النجاح ينبغي أن يكون بين السلطة وأولئك الشباب «الثوري»، وهو ما لا يمكن أن يحدث لسببين أساسيْن، الأول أن السلطة لا يمكنها أن تتحاور مع مجموعة لا تعترف بها لأنها ليست جمعية وليست مرخصة، والثاني أن الشباب أنفسهم رافضون من الأساس لفكرة الحوار وينادون بإسقاط النظام لا بإصلاحه.
من هنا لم يكن غريباً أبداً فشل الدعوة التي أطلقتها الجمعيات السياسية واستمرار الحراك الميداني الذي يعتبرونه سلمياً وتعتبره السلطة عكس ذلك بسبب تسببه في تعطيل حياة الناس وتعريضهم للخطر، «وهذا أمر صحيح لأن حجز أي شارع بشكل مفاجئ يعرض حياة الناس للخطر ولأن إشعال إطارات السيارات وأي مخلفات أخرى ورمي زجاجات المولوتوف الحارقة على رجال الأمن والمواطنين والمقيمين وتفجير سلندرات الغاز وما إلى ذلك لا يمكن أن يوصف بالسلمية». ليست هذه الدعوة الوحيدة المرفوضة من الشباب والمردودة على الجمعيات السياسية بقيادة «الوفاق»، وإنما أي دعوة لا تجد هوى لدى الشباب تواجه بالرفض وإن صدرت من أي شخص كان، فلو أن الجمعيات السياسية دعت إلى التوقف عن توجيه الشتائم والسباب لرموز الدولة لما استجاب لها الشباب، ولو أن الجمعيات السياسية دعت إلى التوقف عن رمي رجال الأمن بزجاجات المولوتوف لما استجاب لها أحد، ولو أنها دعت إلى التوقف عن أي ممارسة يهواها أولئك الشباب أومعتمدة لديهم لما استجابوا لها، والأمر نفسه ينسحب بالضرورة على أي دعوة للحوار الذي يعتبره الشباب خيانة لدماء من سقط في المواجهات التي لا تزال تدور منذ أكثر من عام ونصف العام.
دعوة الجمعيات السياسية الشباب إلى التوقف عن مختلف الممارسات في العشر الأواخر من رمضان لم تجد القبول منهم ، ومن خلال ذلك أراد الشباب أن يقولوا للجمعيات السياسية إنه لم يعد لكم قيمة، فالموضوع وصل إلى مرحلة لم تعد فيها إمكانية القبول بأي حوار وإننا نحن الذين نتحكم في الشارع ونحن من يقرر ونحن من يوافق أو يرفض.
ما أراه هو أن الجمعيات السياسية تعلم أنها لم يعد لها دالة على الشارع وأنها لم تعد مؤثرة فيه وأنها إن أصرت على موقفها فإن في ذلك نهايتها.