تحدثنا في المقال السابق، حول أهمية أن يكون الحراك الشعبي العربي في ربيعه، بعيداً عن الأجندة الصهيو-أمريكية وعن مخططات الأعداء الحقيقيين لأمتنا العربية، وأن لا يكون الربيع متسقاً والأطماع الخبيثة للكيان الإسرائيلي في المنطقة.
تحدثنا على أهمية أن نتجنب تقديم كافة الخدمات المجانية للعدو المحتل لأراضينا العربية، حتى ولو كان ذلك بعناوين كبيرة كالثورة والتغيير.
ربما بعضهم لا يميل لهذا النسق في الطرح، لأنهم يعتقدون أن مخرجات الربيع العربي تختلف من حيث المبدأ والمضمون مع برامج ومخططات القوى الكبرى لتقسيم الوطن العربي من خلال مشروع “سايس بيكو” الجديد، فهذا أمر وذاك أمر آخر.
نحن نعلم أن العملية دقيقة جداً ومعقدة، خاصة فيما يخص الموازنة بين رغبات الشعوب العربية وبين الأطماع الإمبريالية، وربما هي بحد الشَّعَرة، لكن ما ينعكس في تل أبيب والغرب سواء على الوجوه أو من خلال تصريحات كبار المسؤولين هناك، وعبر اهتمامهم المتعاظم لما يجري في الوطن العربي والشرق الأوسط تحديداً، يعطي مؤشراً لا لَبْس فيه، أن حركات الشعوب باتت مراقبة، ومصير الأنظمة أصبح محل اهتمامهم الأول، أما بالنسبة لرغباتهم وشهواتهم وإراداتهم وأمنياتهم السياسية، فلا يمكن نكرانها، فهي تبرز بوضوح مع كل صيحة لشعب أو تضعضع لنظام.
على العكس من ذلك، فمن لا يعتقد أن ما يجري في الوطن العربي لا علاقة له بكل تلك الرغبات الغربية والصهيونية، فإنه لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، فهؤلاء يريدون أن تتحقق رغباتهم وتطلعاتهم نحو التغيير، حتى من دون قراءة المحيط، وما خلف المحيط العربي، من حوادث ومُسَلَّمات باتت واضحة حتى للكفيف.
الرغبات الشعبية مشروعة وصادقة، لا جدال في ذلك، وأن التغيير أصبح مُلزماً وحقيقة قادمة، لا يمكن لأي كائن من كان أن يقف في وجهها، هذا ليس خصامنا، بل كل ما يمكن أن نقرره هنا، هو أن تبتعد رغبات الشعوب والأنظمة العربية الصادقة، عن رغبات الكيان الصهيوني والغرب وحتى روسيا، فهؤلاء لا يهمها مما يجري في أوطاننا العربية سوى أن تُفصَّل سياساتنا وأوطاننا القادمة وفق ما تتطلبه مصالحهم، سواء تحقق ذلك بالثورات أو حتى عبر بقاء بعض الأنظمة الدكتاتورية، أما بقية التفاصيل فهي ليست عند الأعداء بمكان.
لا داعي لسرد تفاصيل الرغبات الصهيونية حول ما يجري عندنا، فهي تبارك وترفض وأحيانا تصمت لتترقب، كل ذلك لأن أعداء أمتنا يريدون أن يصبح الوطن العربي مكانا آمنا لعبور ناقلات النفط والغاز، وأن تكون مواقف بارجاتهم الحربية في موانئنا آمنة مطمئنة.
التغيير قادم، والشعوب بدأت تدرك رغبتها الجامحة للتطلع نحو الحرية، لكن هذا لا ينفي أن نحذر من أن تكون هنالك في المقابل، وعلى الضفة الأخرى، مجموعة سيئة من الطامعين والمستعمرين، يتربصون بنا الدوائر، هؤلاء إذا رأيناهم باركوا ثورة أو نظاما، فلابد لنا من أن نشكك في مشروعية كل ما يؤمنون به، حقاً كان أو باطلاً، لأنهم مهما تشدقوا بالتغيير، فإنهم يريدون التغيير الذي يتناسب وما تبقى لهم عندنا من آخر قطرة نفط أو دم عربي، والسلام.
أخيراً، نبارك للأمة العربية والإسلامية بقرب حلول يوم العيد المبارك، أعاده الله تعالى علينا وعلى جميع المسلمين، بالخير والمحبة، إلهي آمين.