من قارص القول أن الآلية التبريرية هي المنهج المفضل لدى صانع القرار السياسي الخليجي، لغياب الجهة المعنيّة بتقدير التطوّرات المحتملة، وقلة من يستقرئون تحولات المشهد واستباق الأمور. ومن ذلك أننا حتى كتابة هذه الأسطر لم نسمع بموقف خليجي تجاه المؤتمر الـ16 لدول عدم الانحياز المقرر عقده في طهران “26-31 أغسطس”. فما هي أهمية المؤتمر؟ وما هي محاذير عقده هناك؟ وما هي خيارات دول الخليج في قمة طهران؟
لقد نشأت حركة “عدم الانحياز” وتطورت كأحد نتائج الحرب الباردة. لكنها كحلف الأطلسي استمرت لخدمة أعضائها الـ118 دولة، وفريق رقابة من 18 دولة و10 منظمات. وأغلبها من الدول النامية، أو العالم الثالث. لكن قوتها تكمن في أنها أكبر ائتلاف سياسي في العالم وفي الأمم المتحدة. لكننا لا نتذكر الحركة إلا مرتبطاً بحرب تحرير الكويت عام 1991، حيث لم تكن عوناً بعد أن صوت ضد قرار الحرب رقم 678 دولتان من الحركة هما “يمن علي صالح” و«كوبا كاسترو” مع امتناع الصين التي تحتل كرسي في فريق رقابة الحركة.
وتجاه القمة القادمة تسير دول مجلس التعاون كما تسير ناقة طرفة بن العبد، بين السير والعدو، لا تستقيم في سيرها. بينما تسير إيران كسير حصان امرئ القيس، كجلمود صخر حطه السيل من عل. فما الذي غاب عن صانع القرار الخليجي وضبط بوصلة طهران بدرجة تدعو للقلق؟
- أظهر موقف طهران خلال قمة مكة معارضتها لتنحي الأسد، فقضى على فرصة التقارب الخليجي الإيراني حيال هذا الموضوع، بل ومبشراً بأن قمة طهران ستصبح مهرجاناً لدعم الأسد مجردة عدم الانحياز من مضمونها.
- لقد استبق عضو مجلس الشورى الإيراني محمد آصفري المؤتمر بشرط تناول القمة خروج السفن الأمريكية من الخليج، وأن يصدر بياناً في هذا الصدد، وكأن اتفاقياتنا مع حلفائنا الاستراتيجيين خروجاً على القانون الدولي.
- إن عقد المؤتمر في طهران هو نجاح لدبلوماسيتها وخروجاً من عزلتها، رغم أنها في العرف الإقليمي دولة تنشد الهيمنة، وفي نظر العالم الإسلامي منعزلة، ولدى الغرب إحدى الدول المارقة.
- يحاول الرئيس نجاد خلق اعتراف إقليمي ينعكس إيجاباً على شرعيته الداخلية، واعتراف دولي ضد مناوئيه الإصلاحيين، وتشبه إلى حد بعيد قمة بغداد ومحاولة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي شرعنة وجوده بتزكية خارجية.
- يعول نجاد على دول راديكالية مناوئة للغرب كفنزويلا وكوبا التي كانت رئيسة للحركة قبل 3 سنوات رغم افتقارها لشرعية الانضمام للحركة أصلاً باعتبارها امتداداً سوفيتياً في الكاريبي، وكان فيدل كاسترو شوكة موسكو في خاصرة أمريكا، فأين عدم انحيازها؟
- لخلق جبهات تفرض تأجيل الصدام في أزمة الحصار الاقتصادي عليها، والضربة العسكرية بسبب الملف النووي، ستدفع طهران بالأزمة السورية للواجهة عبر حركة الانحياز.
- بصولجان ورداء رئاسة الحركة الذي ستتدثر طهران به في الثلاث سنوات القادمة، ستتصدر كل أنشطة ومؤتمرات الأمم المتحدة التي يفرض بروتوكولها حضور الحركة كعضو أو كمراقب فتنتهي عزلتها عملياً.
إن تكامل المعطيات السابقة في حقيبة نجاد الدبلوماسية قد جعلت مدير مكتبه، المتحدث الرسمي باسم القمة رضا فرقاني يعتبر انعقاد القمة نجاحاً للدبلوماسية الإيرانية. وذلك في رأينا يعني فشلاً لدبلوماسيتنا الخليجية، التي إحدى ركائزها خلق ظروف تقلل من غطرسة الدبلوماسية الإيرانية، التي ترتكز على الانفراد بالهيمنة على الخليج. مما يجعل خيارات دول مجلس التعاون أمام لحظة تاريخية لا تحتمل التردد تتطلب إجراءات عاجلة لعل منها:
1- بوصول الدول التي ستحضر نحو 80 دولة، نصفهم على مستوى القادة. ولضعف احتمال نجاح الدبلوماسية الخليجية في تجيير هذا الحشد ذو الإمكانات الكبيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية، ولكوننا غير مؤهلين لتحقيق نقاط في القمة فالأفضل عدم حضورها.
2- إن مقاطعة القمة يجب أن يرافقه تسويغ يبين رفضنا لممارسات طهران وتدخلها في الشأن الخليجي بشكل مستمر لم يتوقف منذ 3 عقود.
3- تستظل دول الخليج بدعم عربي وإسلامي ودولي، وعليها دفع الغرب وأشقائها وحلفائها للحيلولة دون مشاركة “بان كي مون“ في القمة، حيث يمثل كأمين عام للأمم المتحدة ضميراً للإنسانية، فكيف يزكي بحضوره دولة تدعم الأسد وهو ينتهك إنسانية شعبه.
4- بل لماذا تحضر الجامعة العربية نفسها قمة طهران! فنبيل العربي كان ميالاً للضغط على الخليجيين، فحين تولى وزارة خارجية مصر، قبل انتخابه أميناً للجامعة، دعا لتصويب العلاقة مع إيران، وللتطبيع بين القاهرة وطهران. فكان عليه القيام بجولة يهدئ بها غضب العواصم الخليجية. وعليه يصبح إرسال نائب الأمين العام أحمد بن حلي كافياً كرسالة لطهران.
5- بين قمتي شرم الشيخ 2009 وطهران 2012 حلت تغيرات الربيع العربي، فقفز مجلس التعاون إلى واجهة الأحداث، وتبوأ مكانة متقدمة في العمل العربي المشترك، عبر التبشير بنظام عربي جديد مما يجعل حضوره قمة طهران تقليلاً من مكانته كقطب في السياسة العربية، ينادى بمبادئ تتقاطع مع بعض مقررات الحركة التي ترفض التدخل لحماية حقوق الإنسان، والحرية والديمقراطية، والحكم الرشيد، وغيرها من أسباب تتناقض مع ما قامت به دول الخليج لنصرة الشعوب العربية في تونس واليمن ومصر وليبيا وسوريا.
6- سيكون من تبعات حضور الخليجيين للقمة إضعاف موقفهم الداعي لخلق عمق استراتيجي عربي يمنع استفراد إيران بهم، حيث لن يرى أحد في القاهرة مثلاً مصلحة في استمرار تحفظ الرئيس محمد مرسي وعدم ذهابه للقمة، متذرعين بعلاقات دول المجلس مع طهران، فكيف يطلبون ولو تلميحاً من مصر إظهار الشدة في وجه طهران ويحضرون القمة!
لاشك أن إيران ستبذل المستحيل حتى ترى الغتر البيض والبشوت تملأ قاعة المؤتمر. لكن ما يتمناه نجاد حقاً هو أن يحضر زعيم أو زعيمان من الخليج فقط. حيث سيسعده أن تأخذ المواقف الخليجية طابع الفسيفساء المتشظية. وإن كان لابد من الحضور الخليجي فليسبقه صوغ مشترك للمرئيات، ولأن الضد للضد دواء، فلابد من حملة علاقات عامة، وضغوط دبلوماسية، لاستصدار قرار بطرد سوريا من الحركة، واستصدار بيان بعدم تدخل إيران في شؤون دول الخليج مع تهديد بالانسحاب.
لقد نشأت حركة “عدم الانحياز” وتطورت كأحد نتائج الحرب الباردة. لكنها كحلف الأطلسي استمرت لخدمة أعضائها الـ118 دولة، وفريق رقابة من 18 دولة و10 منظمات. وأغلبها من الدول النامية، أو العالم الثالث. لكن قوتها تكمن في أنها أكبر ائتلاف سياسي في العالم وفي الأمم المتحدة. لكننا لا نتذكر الحركة إلا مرتبطاً بحرب تحرير الكويت عام 1991، حيث لم تكن عوناً بعد أن صوت ضد قرار الحرب رقم 678 دولتان من الحركة هما “يمن علي صالح” و«كوبا كاسترو” مع امتناع الصين التي تحتل كرسي في فريق رقابة الحركة.
وتجاه القمة القادمة تسير دول مجلس التعاون كما تسير ناقة طرفة بن العبد، بين السير والعدو، لا تستقيم في سيرها. بينما تسير إيران كسير حصان امرئ القيس، كجلمود صخر حطه السيل من عل. فما الذي غاب عن صانع القرار الخليجي وضبط بوصلة طهران بدرجة تدعو للقلق؟
- أظهر موقف طهران خلال قمة مكة معارضتها لتنحي الأسد، فقضى على فرصة التقارب الخليجي الإيراني حيال هذا الموضوع، بل ومبشراً بأن قمة طهران ستصبح مهرجاناً لدعم الأسد مجردة عدم الانحياز من مضمونها.
- لقد استبق عضو مجلس الشورى الإيراني محمد آصفري المؤتمر بشرط تناول القمة خروج السفن الأمريكية من الخليج، وأن يصدر بياناً في هذا الصدد، وكأن اتفاقياتنا مع حلفائنا الاستراتيجيين خروجاً على القانون الدولي.
- إن عقد المؤتمر في طهران هو نجاح لدبلوماسيتها وخروجاً من عزلتها، رغم أنها في العرف الإقليمي دولة تنشد الهيمنة، وفي نظر العالم الإسلامي منعزلة، ولدى الغرب إحدى الدول المارقة.
- يحاول الرئيس نجاد خلق اعتراف إقليمي ينعكس إيجاباً على شرعيته الداخلية، واعتراف دولي ضد مناوئيه الإصلاحيين، وتشبه إلى حد بعيد قمة بغداد ومحاولة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي شرعنة وجوده بتزكية خارجية.
- يعول نجاد على دول راديكالية مناوئة للغرب كفنزويلا وكوبا التي كانت رئيسة للحركة قبل 3 سنوات رغم افتقارها لشرعية الانضمام للحركة أصلاً باعتبارها امتداداً سوفيتياً في الكاريبي، وكان فيدل كاسترو شوكة موسكو في خاصرة أمريكا، فأين عدم انحيازها؟
- لخلق جبهات تفرض تأجيل الصدام في أزمة الحصار الاقتصادي عليها، والضربة العسكرية بسبب الملف النووي، ستدفع طهران بالأزمة السورية للواجهة عبر حركة الانحياز.
- بصولجان ورداء رئاسة الحركة الذي ستتدثر طهران به في الثلاث سنوات القادمة، ستتصدر كل أنشطة ومؤتمرات الأمم المتحدة التي يفرض بروتوكولها حضور الحركة كعضو أو كمراقب فتنتهي عزلتها عملياً.
إن تكامل المعطيات السابقة في حقيبة نجاد الدبلوماسية قد جعلت مدير مكتبه، المتحدث الرسمي باسم القمة رضا فرقاني يعتبر انعقاد القمة نجاحاً للدبلوماسية الإيرانية. وذلك في رأينا يعني فشلاً لدبلوماسيتنا الخليجية، التي إحدى ركائزها خلق ظروف تقلل من غطرسة الدبلوماسية الإيرانية، التي ترتكز على الانفراد بالهيمنة على الخليج. مما يجعل خيارات دول مجلس التعاون أمام لحظة تاريخية لا تحتمل التردد تتطلب إجراءات عاجلة لعل منها:
1- بوصول الدول التي ستحضر نحو 80 دولة، نصفهم على مستوى القادة. ولضعف احتمال نجاح الدبلوماسية الخليجية في تجيير هذا الحشد ذو الإمكانات الكبيرة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإنسانية، ولكوننا غير مؤهلين لتحقيق نقاط في القمة فالأفضل عدم حضورها.
2- إن مقاطعة القمة يجب أن يرافقه تسويغ يبين رفضنا لممارسات طهران وتدخلها في الشأن الخليجي بشكل مستمر لم يتوقف منذ 3 عقود.
3- تستظل دول الخليج بدعم عربي وإسلامي ودولي، وعليها دفع الغرب وأشقائها وحلفائها للحيلولة دون مشاركة “بان كي مون“ في القمة، حيث يمثل كأمين عام للأمم المتحدة ضميراً للإنسانية، فكيف يزكي بحضوره دولة تدعم الأسد وهو ينتهك إنسانية شعبه.
4- بل لماذا تحضر الجامعة العربية نفسها قمة طهران! فنبيل العربي كان ميالاً للضغط على الخليجيين، فحين تولى وزارة خارجية مصر، قبل انتخابه أميناً للجامعة، دعا لتصويب العلاقة مع إيران، وللتطبيع بين القاهرة وطهران. فكان عليه القيام بجولة يهدئ بها غضب العواصم الخليجية. وعليه يصبح إرسال نائب الأمين العام أحمد بن حلي كافياً كرسالة لطهران.
5- بين قمتي شرم الشيخ 2009 وطهران 2012 حلت تغيرات الربيع العربي، فقفز مجلس التعاون إلى واجهة الأحداث، وتبوأ مكانة متقدمة في العمل العربي المشترك، عبر التبشير بنظام عربي جديد مما يجعل حضوره قمة طهران تقليلاً من مكانته كقطب في السياسة العربية، ينادى بمبادئ تتقاطع مع بعض مقررات الحركة التي ترفض التدخل لحماية حقوق الإنسان، والحرية والديمقراطية، والحكم الرشيد، وغيرها من أسباب تتناقض مع ما قامت به دول الخليج لنصرة الشعوب العربية في تونس واليمن ومصر وليبيا وسوريا.
6- سيكون من تبعات حضور الخليجيين للقمة إضعاف موقفهم الداعي لخلق عمق استراتيجي عربي يمنع استفراد إيران بهم، حيث لن يرى أحد في القاهرة مثلاً مصلحة في استمرار تحفظ الرئيس محمد مرسي وعدم ذهابه للقمة، متذرعين بعلاقات دول المجلس مع طهران، فكيف يطلبون ولو تلميحاً من مصر إظهار الشدة في وجه طهران ويحضرون القمة!
لاشك أن إيران ستبذل المستحيل حتى ترى الغتر البيض والبشوت تملأ قاعة المؤتمر. لكن ما يتمناه نجاد حقاً هو أن يحضر زعيم أو زعيمان من الخليج فقط. حيث سيسعده أن تأخذ المواقف الخليجية طابع الفسيفساء المتشظية. وإن كان لابد من الحضور الخليجي فليسبقه صوغ مشترك للمرئيات، ولأن الضد للضد دواء، فلابد من حملة علاقات عامة، وضغوط دبلوماسية، لاستصدار قرار بطرد سوريا من الحركة، واستصدار بيان بعدم تدخل إيران في شؤون دول الخليج مع تهديد بالانسحاب.