لكل دولة مخلب بل مخالب عدة تستخدمها عند الضرورة والمواقف التي تُمس فيها سيادتها، ويُمس فيها أمنها، ومن دون هذه المخالب تنتهي الدولة وتكون من غير قيمة تذكر، ليس لأنها لا تملك أسلحة، بل لأنها لا تجيد استخدام أسلحتها.
منذ انتهاء أزمة فبراير 2011 حاولت الدولة الظهور بمظهرين؛ الأول يقوم على الشدة والحزم في التعامل مع الأحداث والمستجدات، والمظهر الآخر يقوم على تعليق اتخاذ القرارات في التعامل مع الأحداث والمستجدات.
وفي كلتا الحالتين هناك تقييم وتحليل لكيفية التعاطي مع الأحداث وقدرة هائلة على التنفيذ، ولكن تبقى الدولة بين خيارين، هما الحزم واللاحزم. هذا المشهد يدفعنا للتساؤل حول الأسباب التي تدفع لمثل هذه الظاهرة، وهي ظاهرة مختلفة كلياً عمن يحاول تسويقها بأنها ظاهرة (الدولة الرخوة)، فهل السبب هم المسؤولين؟ أو مؤسسات الدولة؟ أو الدستور والقوانين؟ أو حتى المواطنين والمقيمين؟ أم مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية؟ أم وسائل الإعلام أيضاً؟.
سنحاول الإجابة على مثل هذه التساؤلات لاحقاً، ولكن قبل ذلك سنطرح مظاهر الدولة عندما تكون بلامخالب.
الدولة عندما تكون بلا مخالب تزداد المعاناة فيها، ودائماً ما تشهد الأوضاع تعقيدات غير متوقعة. فرغم امتلاك الدولة لأفضل الاستراتيجيات والسياسات التي أنفقت عليها مبالغ طائلة، إلا أنه لا جدوى من هذه الإستراتيجيات والسياسات إذا لم يتم تطبيقها.
من ملامح ظاهرة الدولة بلا مخالب كثرة التصريحات الإعلامية وقلة العمل، بل عادة ما يتم تنفيذ ما جاء في التصريحات الإعلامية إذا كانت الدولة في حالة حزم، وإذا كانت الدولة في حالة لا حزم فإنه من المستبعد أن يتم تنفيذ ما جاء في التصريحات الإعلامية.
ظاهرة الدولة بلا مخالب تقوم على غياب وحدة صنع القرار، فمعظم المسؤولين والمؤسسات يتقاذفون مسؤولية اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقهم.
من مظاهر الدولة بلا مخالب أن كافة موارد الدولة وقدراتها يمكن تعبئتها وحشدها بسرعة فائقة خلال الأزمات، ولكنها في أوقات غير الأزمات من الصعوبة بمكان الاستفادة من موارد الدولة، وقدراتها وتعبئتها. ويمكن ملاحظة ذلك بشكل واضح عندما ضربت الأزمة الأخيرة الدولة البحرينية، فاستطاعت بسرعة فائقة حشد كافة مواردها وقدراتها وتعبئتها لتحقيق هدف معين، ونجحت فيه بشكل لافت.
أيضاً الدولة عندما تكون بلا مخالب فإنها تكون عاجزة عن محاسبة المسيئين لها والجماعات الراديكالية التي يمكن أن تكون بالنسبة لها مصدر قلق وإزعاج. فالقوانين داعمة للمحاسبة والعقاب، والدولة لديها القدرات، ولكنها ليست قادرة على ذلك، فمخالبها ضعيفة لانشغال المسؤولين بتقاذف المسؤولية ومحاولة تجميل صورهم إعلامياً لضمان استمرارهم في مناصبهم لأنها في مقدمة أولوياتهم على حساب المصالح الوطنية العليا، ومثال ذلك ما يحدث الآن في جنيف وسنفصله لاحقاً.
.. وللحديث بقية