كلما يحاول أتباع الولي الفقيه الإيراني الانقلابيون هنا في البحرين إبعاد “مرجعيتهم” الدينية والسياسية عن الصورة، وكلما صرخوا “اتركوا إيران بعيداً”، عندما نتحدث عن الشأن البحريني والمطامع المستمرة تجاه دولتنا، تأتي إيران “كعادتها” لتبين وعلى الملأ كيف أنها تضع عملية “احتلال البحرين” أولوية بالنسبة لها.
ما حصل بشأن الترجمة الإيرانية لخطاب الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي في مؤتمر عدم الانحياز في طهران ليست “مهزلة حقيقية” بقدر ما هو إعلان إيراني صريح عن المواقف تجاه كل من سوريا والبحرين.
إيران تعتبر البحرين ولاية من ولاياتها، وحطم مسؤولوها الأرقام القياسية في استهداف البحرين بتصريحاتهم، وخصصت القنوات الإيرانية الساعات الطوال للحديث عن البحرين وعن “النصر المرتقب”، واستضافة الطوابير الخامسة التابعة لهم في الداخل البحريني، كل هذه الأمور نعرفها وخلصنا منها، وهي حقيقة لا يغيرها الصراخ والعويل، ولا النفي المتكرر من قبل من قالت عناصرهم للمسؤولين الإيرانيين بأنهم “خدمهم”.
ما حصل في المؤتمر إعلان صريح للنوايا وعلى مسمع ومرأى من العالم، وقيام المترجم بإبدال سوريا بالبحرين في عدة مواضع من خطاب الرئيس مرسي إضافة لتغيير مفهوم كلامه بشأن سوريا يكفي لبيان حجم “التورط الإيراني” في الشأن السوري والبحريني، بخلاف أن التورط الأول واضح بشكل أكبر كونه تورطاً ميدانياً بالعدة والعتاد وبعناصر “حزب الله” الذراع العسكري لإيران، وفي التورط الثاني عبر الدعم بأنواعه والتخطيط والتحفيز، ولولا وجود البحرين في قلب الخليج، ولولا وجود منظومة دفاعية تسمى “درع الجزيرة” تردع إيران عن اقتحام بلادنا لحولت البحرين لمسلخ ومذبح بشري مثلما تفعل في السوريين الأبرياء.
تبريرات بعض المحللين الإيرانيين يوم أمس على بعض القنوات العربية لم تخرج عن كونها “تبريرات كوميدية ساذجة” لا تنطلي إلا على أغبياء، خاصة ذلك الذي قال بأنه خطأ غير متعمد! غريب هذا الخطأ الذي لا يحصل إلا بتبديل اسم سوريا بالبحرين، ولا يحصل إلا حينما يكون الحديث عن الموقف من سوريا يخالف الموقف الإيراني بشأنها!
يقولون، الحقيقة حينما تنكشف وتصبح “فضيحة” فإن صاحبها يفعل أي شيء حتى يداريها، وهذا هو الحال اليوم بالنسبة للإيرانيين، إذ إن الفضيحة كانت على الملأ وعلى مسمع من متابعي الترجمة الفورية.
هذه الفضيحة بينت عدة أمور، أولها: البحرين ستظل مطمعاً إيرانياً مهما حاولوا التلاعب بالكلام، ومهما صافحونا بحرارة، ومهما تحدثوا في اللقاءات الدبلوماسية عن علاقات الجوار والصداقة والتعاون.
ثانياً: سوريا ستبقى بالنسبة لإيران مؤشراً ينذر بالخطر، لو اندحر نظام الطاغية بشار الأسد، ولو انكسرت شوكة مقاتلي “حزب الله” الإيراني، الذين اتضحت شدتهم وبأسهم على السوريين العرب المسلمين، بأضعاف مضاعفة عن بأسهم على الإسرائيليين، حينما كانوا يحاربونهم بصواريخ “الكاتيوشا” من بعد في الجنوب. عفواً، هل يتذكر “حزب الله” العدو الإسرائيلي، أم أن قيادته ورجالاته منشغلون بتصفية العدو الجديد المتمثل بالشعب السوري المناهض لنظام دموي ديكتاتوري مدعوم بشكل فاضح وصارخ من إيران؟!
ثالثاً: إيران تحاول التقرب من مصر منذ رحيل حسني مبارك وزوال النظام السابق. حاولت مغازلة “الإخوان المسلمين” المنتمي لهم مرسي، حاولت دخول مصر ومد أذرع لها فيها. بل توجه وفد من انقلابيي البحرين التابع لأوامر الولي الفقيه الإيراني لمصر حتى يكذب على المصريين، وحتى يكسب تأييدهم لمحاولة الانقلاب الإيرانية في البحرين. إلا أن مصر ظلت وستظل عصية، إذ مخطئ من يظن بقدرته على خداع المصريين لاستغلال ثقل مصر الإقليمي والدولي.
رابعاً: الشعب الإيراني الذي يعاني من أسوأ معاملة ومن أسوأ معيشة اقتصادية اجتماعية، واقتصاده الذي يعد الأكبر تضخماً في العالم، هذا الشعب يعاني من إرهاب وتسلط واضح، لدرجة أنه يلقن الأخبار والمعلومات مثلما يريد الساسة الإيرانيون، في مقابل حجب الحقيقة عنه، وما حصل من تحريف للترجمة الهدف الرئيس منه خداع الإيرانيين في الداخل، وبيان بأن مصر تقف مع النظام السوري المجرم، وأن مصر تقف نفس الموقف الإيراني مما يحصل في البحرين.
الآن، مصر فضحت اللعبة الإيرانية السمجة، والعالم عرف عبر وكالات الأنباء ما حصل، يبقى انتظار إدخال “الفيل في ثقب الإبرة”، وأعني بذلك تقديم إيران الاعتذار لمصر والبحرين على ما حصل من تزوير صريح، طبعاً دون ان ننسى الشعب الإيراني الذي يحتاج إلى اعتذار نتيجة تضليله من قبل إعلامه، لكن الأخير لن يحتاج، فهو محكوم أصلاً بالحديد والنار، ومن يعارض يشنق على أعمدة الإنارة من فوره.
نصيحة هنا، لا تتعبوا أنفسكم في إحصاء عدد المرات التي استدعت فيها الجهة المسؤولة لدينا في البحرين القائم بأعمال السفارة الإيرانية، إما لإعادة جهاز تنصت، أو جهاز بث تم ضبطه إليه، أو تسليمه خطاب احتجاج “شديد اللهجة” يجعله ينتفض من “شدة لهجته”! أو لتعبر له عن استيائها من تصريحات مسؤولين أو أفعال إعلامهم المسيئة للبحرين، لأنكم في نهاية كل مرة لابد وأن تجدوا بياناً لاحقاً يصدر بمناسبة أو غيرها يؤكد على عمق العلاقات الأخوية والصديقة وكأن شيئاً لم يحصل.
عموماً، أنا شخصياً استفدت معلومة مهمة مما حصل، إذ إنه بصراحة ولأول مرة أعرف بأن سوريا بـ«الإيراني” تعني البحرين!