عشرات الأطنان من مواد شديدة الانفجار لا يتوقف حدها ولا مدها عند مؤتمر صحافي، بل هي قضية أكبر من سقوط عشرة قتلى، حين تكون هذه المواد جلبت لنسف وتدمير مبان وجسور وشوارع ويكون سقوط الضحايا فيها بعشرات الآلاف، أي أن الأمر أكبر من تقصي حقائق في أسباب موت أشخاص سقطوا نتيجة اشتراكهم في مواجهات مع رجال الأمن، فالقضية قضية أمن بلد قد اخترق من جهات معلومة وأخرى مجهولة، فتهريب المتفجرات ليس كتهريب المخدرات ولا تهريب قطع سلاح، بل هي عملية معقدة تحتاج فنيين مهرة، كما تحتاج إلى وسائل نقل آمنة، وجهات متخصصة وإشراف في غاية الدقة، وملاحظات ومهاتفات واتصالات وشبكات وعصابات قد استغلت مناصبها ومكاتبها ومؤسساتها.
لدينا مصانع، ولدينا شركات غازية ونفطية وكيميائية وإسمنتية، ومختبرات تحتاج إلى مواد، وكلها يمكن أن يتم الاستيراد تحت اسمها، فتأتي الناقلات المجهزة، ولا ننسى قد تكون ضمنها ناقلات عسكرية لبعض القواعد العسكرية التي لا تخضع لتفتيش، وغيرها من شركات نقل أجنبية، خصوصاً عندما يكون هناك قصور بل قد يكون معدوم المختبرات والتفتيش الدقيق والتحري عن طبيعة الحمولات البرية والبحرية؛ أي أن الجريمة بالنسبة لحجم البحرين هي جريمة دمار شامل، لذلك يتوجب على الدولة تعيين لجنة تقص للحقائق، فمادام اعتمدت انتداب لجان تقصي للبحث عن الحقائق، فإن قضية عشرات الأطنان من المتفجرات هي أولى بهذه اللجان، وذلك لتعرف الدولة كيف أدخلت ومن هم الشركاء والمتعاونين، وما هي أوجه الضعف في الحراسة والتفتيش، ومن هي الجهات التي أشرفت؛ هل هي هيئات أو مؤسسات أو مصانع أو شركات، وذلك كي تتأكد أن هناك اختراقاً كبيراً، واستغلالاً خطيراً، وعصابات مدربة ومؤهلة حملت هذه المتفجرات وأودعتها وغطتها وبردتها.
إن العثور على هذه المتفجرات قد برر أسباب صلابة موقف المعارضة الصفوية واستمرار مطالبتها بالحكم، إذ تبين أن حرق الإطارات وسد الطرقات ورمي قنابل المولوتوف هي مجرد تسلية وتمويه وكسب للوقت، وهي أساليب تقتضيها صناعة وإعداد المتفجرات لمشاغلة الجهاز الأمني عن البحث والتحري، فدخول خبراء المتفجرات من الأجانب يرافقهم طواقم المهندسين والفنيين من أتباع الوفاق يتطلب توفير غطاء وتسهيل ممرات، تبدد العيون وتشغل المسؤولين.
فهذه هي القوة التي هدد بها علي سلمان حين قال “إنها لن تبقي ولن تذر” لم يأت من فراغ، بل من ثقة واستعداد ليس مصدرها عشرات الأطنان من المتفجرات، بل مئات ومئات وقد تكون آلافاً، فجريمة الانقلاب ليس مخططٌ لها منذ عام أو عامين، ولم تحدث تلقائياً كباقي الثورات، بل هي معدة ومستعدة وكاملة الاستعداد، وقد لا تنحصر في متفجرات؛ بل قد تكون دبابات مفككة ومدرعات وغيرها من أجهزة ورادارات، ولم لا تكون مطارات.
العملية ليس طرفها ميلشيات الوفاق، ولا يحركها علي سلمان أو عيسى قاسم، حين لا يعدو هؤلاء عن وجوه تقوم بتمثيلية ومسرحية قصتها معارضة ومظلومية تطالب بالديمقراطية، فالعملية تدار من البيت الأبيض ومن قم وطهران، وهم من تنتشر قطعهم الحربية على طول الخليج العربي، كما إن لديهم قواعد عسكرية وطواقم فنية وخبراء سيتولون العملية الانقلابية القادمة بكل حرفية ومهنية، لذلك لا نستغرب عندما نصبت المشانق على الدوار، ولا نتعجب عندما أعلن مشيمع قيام الجمهورية.
وعلينا ألا نسأل ما سبب إصرار الوفاق على عدم قبول الحوار دون سقف ورفضها لكل الوساطات، ولماذا تصر حتى اليوم على مطالبتها بكرسي الحكم، ذلك أنها تمتلك ترسانة أسلحة لا تقل حجماً عن ترسانة حزب الله اللبناني، ولديها قوة عسكرية مدربة، وليست كالتي شاهدناها في التسجيلات، بل قوة عسكرية عربية وأجنبية، إذ إن التأشيرات والإقامات ليس عليها حساب ولا كتاب ولا تحر ولا تدقيق، فالدولة ثغورها مفتوحة وسماؤها مفتوحة وأرضها مخترقة وبحرها دون خفارة، ومصانع وشركات وهيئات لا يدقق في إسمنتها ولا طحينها ولا خلطاتها ولا ناقلاتها، ذلك أن المفتش الحكومي العام قد أنهكته ساعات العمل وليس بمتخصص في علم كيميائي ولا جنائي، وناهيك عن موانئ أنيطت مسؤوليتها إلى شركات خاصة يعلم الله من ملاكها أصلاً ومن عمالها.
القضية إذاً بحاجة إلى لجنة تقصي للحقائق لتقدم للدولة التقارير التي يتحتم على ضوئها تنفيذ التوصيات بحذافيرها، فالتقرير لهذه اللجنة لا يقبل النقض ولا الوساطة ولا التبديل، بالضبط مثل توصيات لجنة بسيوني، فالقضية ليست سقوط عدد من القتلى، بل قضية تخطيط لعملية إرهابية تنتج عنها تدمير مبان ومنشآت وطرقات، يكون الحكم على المتورطين فيها ليس أقل من الحكم الذي نفذ في خلية الخفجي الإرهابية التي كانت تخطط للقيام بعمليات إرهابية في المملكة العربية السعودية.. حفظها الله وحفظ البحرين ملوكاً وشعباً.