للشاعر إبراهيم الأنصاري قدرتان يحسد عليهما؛ الأولى تمكنه من تطويع الكلمة وتشكيلها وتوظيفها التوظيف الذي يجعلها هي نفسها تدهش، والثانية تمكنه من توصيل ما كتب من شعر بسهولة إلى المتلقي عبر أدائه المتميز وصوته القوي. الأنصاري شاعر لافت. في مهرجان الموال الذي نظمته أسرة الأدباء والكتاب بالتعاون مع وزارة الثقافة وأقيم مساء الأربعاء الماضي بالصالة الثقافية ألقى الأنصاري مجموعة من المواويل تفاعل الجمهور معها لكن تفاعله مع اثنتين لخصتا الوطن ومعاناته كان أكبر خاصة وأنه ألقاهما بطريقة جسد بها مقدار الألم الذي يعانيه بسبب ما كان عليه أهل هذا الوطن الجميل وما صاروا إليه. مواله الأول كان بعنوان (أهل الوطن) أنقله بالنص كي لا يشوه أو تشوه الفكرة عدا أنه ليس بالفصحى: «ناديت.. أهل الوطن إجرابهم وبعاد يكفي ترا ما حصل يكفي ترا بس عاد كره وضغينه امتلى قلب الأخو وعاد ما شفت في هالعمر كاليوم في سني أخوة تعادي بعض وسلاحها تسني حرب ودمار وأذى للشيعي والسني ليت الأمان الذي قفى يقولوا عاد”. وهو تلخيص لمعاناة وطن وشعب أصيل ونداء لوضع حد لما يجري لأنه لا يليق بهذا الوطن وأبنائه، وهو أيضاً دعوة مبطنة لإيجاد حل ولكن من دون الاستعانة بالخارج. أما مواله الثاني فكان بعنوان (صوت الوطن) وجاء بمثابة رد من الوطن على ما سمعه في الموال الأول، أنقله بالنص أيضاً للسبب ذاته: «قال الوطن من لكم غيري عضيد ودار لي صارت الدنيا تعب وتكالبت الأقدار أنا الضرا والذخر وانتو السند لي دار آصون من صانني وآعوف في آنه من خان عهد الوفا وباع الثرا بآنه وآعز من عزني وقال يا وطن آنه وياك في وقت القهر والضيجة والأكدار”. وهو جواب تلخص فيه الحل الذي يبدأ بحب الوطن ويثني بتأكيد هذا الحب ويثلث بالعلم بأن الوطن للجميع لكنه ينحاز للأوفياء وليس لمن يبيعه. هذان الموالان اللذان تفاعل الجمهور معهما كانا لافتين بالفعل وقد لمسا شغاف القلوب. في الموال الأول قارن الأنصاري بين زمنين أحدهما مر وامتاز بالأمان وصرنا نتحسر عليه، والآخر حل ولكن الأمان فيه صار مفقوداً بسبب الانقسام الذي أصبح فيه أهل الوطن والعداء الذي تمكن من المكونين الأساسين فيه. أما في الموال الثاني فيبين موقف الوطن وأنه هو العضيد والدار والمظلة والملجأ من تكالب الأقدار، ويبين أيضاً صفة من صفات هذا الوطن ملخصها أن الوطن يصون الذي يصونه ويلفظ من يخونه ويبيعه وأنه يعز من يعزه ولا يقف إلا مع من يقف معه. اللافت في مهرجان الموال الذي شارك فيه مجموعة من شعراء البحرين إضافةً إلى الفنانين أحمد الجميري وأحمد حداد وفرقة البحرين للفنون الشعبية بقيادة جاسم بن حربان، اللافت فيه أنه حمل هم الوطن وصبه مواويل مصحوبة بآهات الماضي الجميل، حيث البحر والغوص عبر إخراج للمهرجان لافت أيضاً قاده الفنان يوسف الحمدان. المهرجان الذي اتخذ عنوان (موالنا.. هوية ووطن) شارك فيه إضافةً إلى إبراهيم الأنصاري شعراء بحرينيون حملوا هم الوطن وإن تفاوتت تجربتهم وقدراتهم يتقدمهم المخضرمان حسن كمال وعلي الشرقاوي، حيث شارك فيه أيضاً عبدالرحمن المضحكي ومطر عبدالله وخليفة العيسى، بينما مثل المرأة الشاعرة المبدعة هنادي الجودر التي فاجأت الجمهور بموال جميل اتخذت له عنواناً جميلاً مثله هو (جسر الحوار)، وهو ما يعبر عما يأمله الناس الذين يعبر الشاعر عادة عن همومهم ومعاناتهم ويرون أنه المخرج مما صارت فيه البحرين.. البحرين التي نادى المشاركون في المهرجان جميعاً أهلها “إجرابهم.. وبعاد”.