أولئك الذين أطلق عليهم اسم «أبطال الميادين» وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالأناشيد التي تمجدهم وتعتبرهم أبطالاً ختموا إحدى «بطولاتهم» الأسبوع الماضي بالرقص أينما حلوا. أما الأسباب فعديدة؛ أولها أن العملية تم تنفيذها في العاصمة وثانيها أنها كانت في شارع حيوي هو شارع الملك فيصل الذي -إضافة إلى ازدحامه بالسيارات في كل حين- يشهد تصليحات تؤدي إلى مزيد من الزحام، وثالثها أنهم تمكنوا من تعطيل حياة الناس.. وهو ما يستحق الرقص مصحوباً ربما بكأس من الشمبانيا (الإسلامية طبعاً)! ما لا يدركه «أبطال الميادين» وأبطال الغرف المغلقة الذين يقفون من ورائهم ويهيئونهم ويحرضونهم هو أن هذه الرسالة صارت تؤدي غرضاً سلبياً، فالهدف من وراء حجز شارع وإضرام الإطارات فيه هو لفت الانتباه إلى «المظلومية» حسب تعبيرهم، لكنه هنا وبسبب الضرر المباشر الذي صار يقع على الناس صار مفعوله عكسياً وسالباً، ذلك أن الناس الذين تتعطل حياتهم ومصالحهم وبينهم أطفال و(حرائر) وكبار سن ومرضى سيدعون عليهم بدل أن يدعوا لهم وسيصلون إلى قناعة مفادها أن ما يقوم به «أبطال الميادين» جريمة خاصة إن أدى إلى تأخر وصول مريض إلى المستشفى، وسيصلون إلى حالة تمكنهم من أخذ موقف من تلك الأعمال المرفوضة اجتماعياً ولا يمكن أن تأخذ صفة السلمية! اللوم الأكبر لا يقع على «أبطال الميادين» ولكن على أولئك الذين (زينوا لهم أعمالهم فصدوا عن السبيل)، وإذا كان «مبلوعاً» وضع أولئك الأبطال كونهم أفراداً مغرراً بهم خاصة أن أغلبهم من صغار السن فإنه ليس «مبلوعاً» أبداً أن يستمر أولئك «الكبار من أبطال الغرف التي تعمل تحت الأرض» في اعتمادهم هذا الأسلوب الذي ينطلق من مقولة «إياك أعني فاسمعي يا جارة»، فهم يقصدون مضايقة الحكومة ولكن عبر أذية الناس! في تغريدات «راقصة» أيضا كتب أحد القابعين في الخارج تعليقاً على تعطيل شارع الملك فيصل كلاماً غريباً، منه على سبيل المثال (العملية كانت موجعة وتحولاً نوعياً في اختيار ميادين صراع الوجود وتوظيفها سياسياً.. قيمة العمليات الميدانية لا ينظر إليها كحريق يضرم في مجموعة من الإطارات وأدخنة تتصاعد منها فحسب.. لا ينظر إلى العملية الميدانية من خلال أدواتها ووسائلها، وإنما من خلال ما تترك من أثر نفسي أو أمني أو سياسي أو اقتصادي في الصراع.. وإعلامنا الشعبي واسع ولا يكفيه أن ينقل خبر هذه العملية من غير أن يسجل اعتزازه وتبجيله للمنفذين الأبطال قادة الميادين). بينما لخص آخرون فخرهم بتعطيل حياة الناس في تغريدة ختامها «فلهم ألف تحية على هذا التحرك النوعي وعلى هذا التنفيذ المتقن».. وهو ما يعني باختصار (طز في حياة الناس). ما حدث في شارع الملك فيصل مؤخراً وتكرر لاحقاً في شوارع رئيسة بالعاصمة ينبغي ألا يدعو «أبطال الميادين» وأسيادهم إلى الفخر والفرح لأن ما يقومون به لا يعبر إلا عن سوء تدبير وعن استهتار بالقيم واسترخاص لأرواح الناس ولحياتهم. مؤلم أن يظل هذا الأسلوب معتمداً لدى أولئك، حيث الاستمرار فيه يعني أنه لم يعد بيد «المعارضة» ورقة أخرى يواصلون فيها «نضالهم» وأنهم أوشكوا على رفع الراية البيضاء. حسب المنطق لا يمكن لهذا الأسلوب المتخلف أن يوصل إلى أي فوز أو انتصار، حيث حجز الشوارع وإضرام النيران فيها بإشعال إطارات السيارات والتسبب في إرباك حياة الناس لا يمكن أن يوصل إلى شيء أبداً، بل إن الاستمرار فيه يؤدي إلى نتيجة عكسية سالبة تبدأ بـ «التأفف» و»التحلطم» وتنتهي باتخاذ موقف واضح يخسرون معه كل التعاطف الذي كسبوه عبر أسلوب «المظلومية».