تحاول الإدارة الأمريكية الضغط أكثر فأكثر على حكومة البحرين لأنها لم تقم بـ«محاسبة أي مسؤول تورط في أحداث 2011”، وتؤكد واشنطن أن تقرير لجنة تقصي الحقائق ينص على ضرورة محاسبة المتورطين في الحكومة من الذين تجاوزوا الإجراءات والأنظمة في تعاملهم مع المتظاهرين آنذاك. بالمقابل تندفع المعارضة الراديكالية بحماس مبالغ فيه لتطالب بمحاسبة المسؤولين “المتورطين في أحداث 2011”. هنا لابد من الإشارة إلى أن حكومة البحرين اعترفت قبل صدور تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق بوجود أخطاء وبوجود تجاوزات ينبغي معالجتها على ألا تتكرر. ولاحقاً عندما صدر تقرير اللجنة تحلت الحكومة أيضاً بشجاعة نادرة وأكدت احترامها لنتائج التقرير والتزامها بالتوصيات التي نفذ معظمها، وبقي القليل جداً منها لأنها تحتاج إلى وقت خصوصاً فيما يتعلق ببعض التشريعات المطلوبة. أيضاً أحالت السلطات الأمنية مجموعة من رجال الأمن الذين تورطوا في تجاوزات خلال المواجهات مع المتظاهرين إلى النيابة العامة للتحقيق معهم، ومن ثم أحالتهم للسلطة القضائية في حالة ثبوت التهم في محاكمات عادلة ونزيهة. واشنطن تدرك كل هذا وتفهمه جيداً وتعترف به بين وقت وآخر، ومع ذلك فإنها تعود دائماً وتطالب بضرورة محاسبة المسؤولين “المتورطين في أحداث 2011”. نتوقف عند هذا الحد، ونتناول الموضوع من زاوية أخرى، ولنتذكر جيداً العام 2004 وبداية هذا العام الذي اكتشف فيه العالم فضيحة سجن أبوغريب في العراق الذي تورط فيه مجموعة من عناصر الشرطة العسكرية الأمريكية التابعة للجيش الأمريكي، إضافةً إلى عدد من المتورطين من وكالات أمنية واستخباراتية أمريكية أخرى. هذه الفضيحة هزّت الرأي العام العالمي، وكذلك الرأي العام الأمريكي لأنها تجاوزت كل معايير حقوق الإنسان عندما تورط الأمريكان في تعذيب العراقيين الأبرياء وانتهاك حقوقهم المدنية. فماذا فعلت واشنطن؟ هل اعترفت بأخطائها هناك؟ هل قامت بتشكيل لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق؟ هل أقامت المحاكمات العادلة والنزيهة لمحاسبة المتورطين في هذه التجاوزات؟ التجاوزات الأمريكية في سجن أبو غريب قبل عدة سنوات وقعت خلال فترة تولي دونالد رامسفيلد وزارة الدفاع، فهل قدم رامسفيلد استقالته آنذاك؟ أو هل أحال البيت الأبيض رامسفيلد إلى المحاكم الفيدرالية؟ أو هل طلب الكونغرس جلسة خاصة للاستماع والتحقيق في هذه القضية مع رامسفيلد وكبار المسؤولين العسكريين؟ على مستوى أرفع، هل قدم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن استقالته بسبب تجاوزات أبوغريب؟ أو هل تمت محاسبته من قبل السلطات القضائية؟ أو حتى السلطة البرلمانية؟ الإجابات على جميع هذه الأسئلة معروفة جداً لأنها لم تتم، وليست المسألة هنا تتعلق بازدواجية معايير واشنطن في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، والتعامل مع أحداث البحرين لأنها مسألة متفق عليها ولا جدال فيها. نخرج بخلاصة في أن محاسبة المتورطين في تجاوزات القانون وتجاوزات حقوق الإنسان لا تُؤخذ دائماً بمعايير ضيقة أو محدودة كتلك النظرة التي تطالب فيها واشنطن البحرين بين وقت وآخر. بل الموضوع أكبر بكثير من مسألة التشدق بحقوق الإنسان ومحاسبة المتجاوزين، وهي مسألة ينبغي أن تكون غير قابلة للجدال في المنامة، وعلى واشنطن أن تفهم ذلك جيداً.