أعيش في دولة ينظر لها أنها ضمن الإقليم النفطي الثري، وينظر لي معظم سكان العالم على أنني من صنف البشر المحظوظ جداً الذي تتفجر الثروات تحت قدميه ويخصه الله بنعم ليست لغيره، والحمد لله لا ننكر أو نجحد نعم الله وهذا لحد ما صحيح ونحن أفضل من غيرنا بكثير، لكن بالنسبة لهذه النظرة المثالية جداً أرى نفسي أفتقر للحظ في أمور كثيرة منها على سبيل المثال أنني لو كنت ضحية في بلدي فإن الجاني الذي قتلني أو تسبب بإصابتي أو سرقني أو سلبني حقاً من حقوقي قد يحاسب وقد يعفى عنه ويرد اعتباره وقد يصبح مستشاراً، وربما تكون هناك أسماء كبيرة في القضية فيدفن الموضوع برمته أو قد تسيس القضية وتتدخل منظمات حقوقية وإذاعات وفضائيات وتغلقها أو ربما أتعرض أنا للمساءلة في النهاية، هناك اعتبارات كثيرة تحكمنا وخيارات كثيرة لعواقب الجريمة عندنا منها ما هو مكافأة للمجرم اكثر منه عقاباً، وتطبيق القانون ما صار مطلباً شعبياً إلا لأنه غائب يطل علينا كل سنة كبيسة مرة في أحسن الأحوال، والقانون بالمناسبة يحتاج أن يفهمنا ونفهمه، لأننا في كثير من المواقف والقضايا لا نفهمه، لماذا هو مخفف في جرائم كبيرة ومشدد في جرائم أقل خطورة؟ ولماذا يغيب حين نكون في أشد الحاجة له؟!

الحديث عن القانون حديث ذو شجون ولا أريد أن أكدركم أكثر؛ على العموم كنت أقرأ خبر نائب رئيس المجلس البلدي بالمحرق علي المقلة في الوطن الجمعه الماضية وهو يصرح أن البقر المصاب بالسل والحمى القلاعية لم يكن الكارثة الوحيدة التي دخلت البلد، لكن هناك شحنة من التيوس المصابة بالجدري أتت من الصومال ودخلت البلاد وذبحت وبيعت في الأسواق، وطبعاً وزارة البلديات تدافع بأسلوب التلميع الرسمي الذي اعتدناه وكل يوم تنشر مستجدات متضاربة في القضية ذاتها، والمواطن “ضايع بالطوشة”، أتذكر قصة بني إسرائيل مع البقرة وحالة الجدال العقيم وانعدام اليقين، هكذا صارت أيامنا أخباراً من كل حدب وصوب وعلى كثرتها لا تزيدنا دراية بقضايا تمس حياتنا ومستقبلنا مباشرة ولا تشفي حاجتنا لليقين.

وكأن الحالة التي نعيشها أصلاً تحتاج إلى مزيد من التعقيد حتى يطل علينا الفساد برأسه وبملامحه القبيحة ليقول لنا إنه لن يتركنا حتى في لقمتنا وقوت أبنائنا، المواطن أضحى يشك حتى في اللقمة التي يطعمها لأولاده، أحد التعليقات على الخبر في موقع الوطن تقول كيف راح نرمض هذه السنة؟ يعني ما ناكل ثريد؟ مسكين أنت أيها البحريني.. مسالم لدرجة أن يحاربوك حتى في الثريد.

دعونا نواجه الحقيقة؛ لا شيء يمكن إخفاؤه سواء على المدى القصير أو الطويل، فالحقائق تظهر في النهاية حتى دون لجان تحقيق، لم تعد التصريحات الرسمية والصحافة وحدها مصدر المعلومة، والمواطن بحاجة إلى الحقيقة لا إلى تطمينات لذلك لن يحفل بخبر صغير بعد هذه الحملة الكبيرة يقول له إن اللحوم المتداولة كلها سليمة وإن هذا الدخان كله بلا نار، لا بد من شفافية كاملة في طرح تفاصيل التحقيق وفيما ينتظر من يثبت تورطهم، فقد وصل الناس لدرجة يظنون فيها أن من يرتكب الجرائم ويهمل ويتجاوز يكافأ، وأن كل شيء مسيس أو ممذهب حتى الجريمة والعقاب. هناك شيء مفقود في هذا البلد، وليس هو القانون الذي يوقف سارق المائة أو الألف ويوقع مخالفات السير فهذا موجود وفاعل جداً، القانون الغائب هو الذي يجعل شخصاً مثل من يشحن اطناناً من الموت إلى داخل حدودنا -سواء متفجرات أو بقر- يرتجف لمجرد تخيل العاقبة، لم يعد القانون رادعاً، وصار رنين العملة طاغياً على صوت الضمير والإنسانية، حتى لو كان تهريب الأبقار المريضة -وغيره مما يعلمه الله وحده- بسبب الإهمال فالإهمال في سلامة وأرواح البشر بحد ذاته جريمة عظمى، انظروا حولكم إلى الدول القوية التي يحسب لها ألف حساب، إنها الدول التي عندها سلامة مواطنيها وأرواحهم غالية بالفعل لا بالكلام، ومن أجل سلامتهم تجند كل تشريعاتها وتطبقها على الكبير قبل الصغير