إن إحدى المشكلات التي يجب التصدِّي لها عند المطالبة بالمصالحة الوطنية تكمن في اعتقاد البعض بأن المصالحة مطلوبة وبإلحاح، ولكن لا بّد أولاً من الثأر ممن تسبّب في إيذاء الناس جسدياً ونفسياً، وممن أشاع روح الكراهية والبغضاء بين المواطنين عبر الوسائل المختلفة. أتصوّر أن الأشخاص الراغبين في الانتقام من الآخرين يبتغون استيفاء هدفيّن متزامنيّن: الشعور “بالراحة النفسية” عند رؤية الأشخاص الآخرين الذين تم الانتقام منهم وهم يقاسون أحلك الأوقات وأشدّها في حياتهم، ويتكبّدون ضروب الذِّل والهوان على أيدي ضحاياهم، ناهيك عن الإحساس الخادع بأن العدالة قد تحقّقت، وأن الظالم لقي جزاءه المحتوم في دنياه قبل آخرته. فأما بخصوص “الراحة النفسية” المزعومة فإنني شخصياً لا أتوقّع أن شخصاً ما تسبّب الآخرون في إيذائه سيرتاح حقاً إذا وجد الفرصة في التشفِّي في أولئك الذين أذاقوه ألوان العذاب، اللهم إلا إذا اعتقد فعلاً في قرارة نفسه أن محن الغير تحقِّق له متعةً ما، وعندئذٍ يصبح في وضع يُرثى له، لأنه بات ينتمي إلى الساديين، أيّ الأشخاص الذين يتلذّذون بآلام الآخرين وعذاباتهم، وهذا يعني أنه مريض نفسياً، ويحتاج لعلاجٍ فوريٍ قد يعيد له الاتزان المفقود في شخصيّته وأناه. وأما بخصوص “إحقاق العدالة”، فإن ذلك يتطلّب من الجهات الحقوقية المختصة تقديم المسيئين للناس، والمتسبِّبين في آلامهم وآهاتهم، إلى القضاء ليبّت أمره فيهم، فإذا كان كل شخص سيأخذ حقه بيده، فإن الزمن سيزحف بنا إلى الخلف باتجاه عصر الغاب، حين كان القانون معدوماً لسبب بسيط هو أن أحداً لم يفكِّر حينئذٍ في أهمية أو ضرورة وجوده بهدف ضبط الصراعات، وحسم النزاعات، وإشاعة الطمأنينة والسكينة بين أفراد المجتمع. إن المرء لا يربح حينما ينتقم، ومن المؤكّد أنه لن يتقدّم إلى الأمام حينما يأخذ بثأره ممن ألحقوا الغبن به أو بأسرته، ولكنه سوف يكون قادراً على السمو فوق هذه الخطايا البشرية الفطرية لو أجاد فنون التسامح، فما أسهل الانتقام وما أصعب التسامح، وليت البعض يدرك مغزى هذه الحقيقة المرّة!