وجد علماء الاجتماع الروس، على خلفية دراسةٍ أُجريت على عينةٍ عشوائيةٍ من أفراد المجتمع في يوم الثاني والعشرين من يونيو، وهو اليوم الحزين الذي يصادف ذكرى الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي عام 1939، أن نسبة الأشخاص الذين هم على استعداد للقتال من أجل وطنهم في حالة نشوب الحرب الوطنية لا تصل حتى إلى نصف المشاركين في البحث! وفي معرض تحليل هذه النتيجة المذهلة، اندلع جدل حامي الوطيس ليس بخصوص الاستعداد للموت، سواءً تلبيةً لنداء الوطن أو بصورةٍ تطوّعيةٍ، بل بشأن التصوّرات التي تعزِّز هذا الاستعداد، حيث اتضح للباحثين أن ثمة سيرورة موضوعية تحكم مثل هذه العمليّة، ومفادها أنه لا يتوافر اليوم في روسيا أناس مستعدون فعلاً لنيل شرف الشهادة فداءً للوطن كما كان الحال عليه في الأربعينات، ولكن ثمة أناساً كثيرين مستعدون للتضحية في هذه اللحظة من أجل العائلة، والوالدين، وحتى من أجل امرأة؛ ويعزو المختصون السبب الأساسي وراء ذلك إلى أن المواطنين الروس الذين فدوا الوطن بأرواحهم حينئذٍ لم يتصرّفوا طوع إرادتهم، وإنما أُجبروا على هذا الفعل، لذا بات الشبان الروس المعاصرون يصنِّفون الوطنيّة في خانة القيم السلبية المنبوذة! ويتصوّر المؤرخ الروسي الشهير ديمتري ليسكوف، وهو بالمناسبة مؤلِّف كتاب “حملات القمع الستالينية.. الكذبة العظمى في القرن العشرين”، أنه في الأيام الأُولى للحرب الوطنية العظمى “1941-1945”، والتي قدّم فيها الاتحاد السوفيتي، وفق إحصاءات حديثة، أكثر من 5.26 مليون شخص، قرباناً لدحر الفاشية، وضع المواطنون ثقتهم في الخطة الستالينية التي روّجت لنصرٍ سريع ٍ وحاسمٍ على الألمان، وهو ما دفع الكثير من الشباب للانضمام إلى الجيش. في ذلك الوقت، أي في عهد الحكومة السوفيتية، كان مفهوم “الوطن” رديفاً لبلد العمال والفلاحين، والعائلة والأصدقاء، ولكن مع تغيّر بنية الدولة، وأساليب التربية، تغيّرت أطباع أبناء الجيل الصاعد، ورؤيتهم لالتزاماتهم تجاه الوطن، وباتت المفاهيم التقليدية، كالرجولة والشهامة والحزم حبيسةً في أدراج الأيام الغابرة، لأن الشباب لم يعد يكترث بتاتاً بالدفاع عن وطنه وشعبه