مضينا على دور مجموعات مبهر، ودعنا فيه منتخبات واستقبلنا معه الصفوة، وما هي سوى لوحات عتيدة قدمت لنا خلال أسبوعين فقط!
لو كانت البطولة مختلفة عن فسيكون الاختلاف في حفل ما قبل كل مباراة، وما يدعو للاستغراب أن أغلب ما قدم (حسب متابعتي) كان مبهماً برمزية بسيطة ورائعة، فكل حفل منبثق عن ثقافة البلد سواء أن كانت أوكرانيا أو بولندا، ولم تعبر الدولتان إلا عن كل ما هو جميل، زهور وموسيقى وحياة، فما أجمل من أن تشاهد يومياً لوحات تبعث فيك الإيمان بالأمل والتفاؤل بالحياة.
الدكتاتورية أنصفت جميع الأقطاب وخانت هولندا، ولعل خروج البرتغالي هو أكثر غرابة، فأكثر المتفائلين لم يتوقع تأهل فريقه البرتغال على حسابهم، وأسوأ المتشائمين لم يتوقع خيانة فريقه الهولندي له، خروج هولندا جعلها كالصنم المرمي بحجارة الانتقادات، بل إن الصحف الهولندية تفننت في إهاناتها لمنتخبها، تعددت الأوصاف الإعلامية ولكن اتفقت الإهانات على أن منتخبهم كان أضحوكة البطولة!
تعددية الجماهير بلوحاتها كان لها صدى كبير خلال فترة الأسبوعين، هنالك من أسرنا بروحه كالجماهير الأيرلندية العظيمة، والجماهير الإسبانية الجميلة، الجماهير الروسية المتعصبة، الجماهير الكرواتية المشاغبة، فنحن أمام تاريخ يكتب فلم الاستغراب والعجب، فلنعرف أن كتابة التاريخ لا تقتصر على الفضائل، في حين أظهرت لنا البطولة مدى الوعي الذي يمتاز به شعب أوروبا الذي يفتخر بحضارته وتراثه، هنالك اليوناني بخوذة زمن الإغريق، والإسباني بثياب الماتادور، ومن زاوية فكرية؛ شاهدنا الألمان المتمسكين باشتراكيتهم، والروس ببيروقراطيتهم، وبعد كل هذا هل نحن أمام مجرد كرة قدم؟!!
البطولة قد تكون أكثر ما تتميز به هو التنوع كما ذكرت الذي أسفر عن متعة لا تضاهيها أخرى، أتذكر كلمات الكاتب السعودي المبدع محمد الرطيان مشيداً في ثقافة التنوع قائلاً: “درب حواسك على التقاط الأشياء الجميلة في الحياة، يجب أن تستمع للألوان، وتشاهد العطور، وتشم الموسيقى، وإن لم تستطع أن تشارك بصنع الجمال فعليك على الأقل أن تحتفي به!”
البطولة بما تحمله من أحداث قادمة ينقصها وجود المخرج الراحل ألفريد هيتشكوك لعنفوان لهيب إثارتها، فماذا ستسفر لقاءات أقطاب الربع نهائي الآخر من مواجهات حديدية، إسبانيا ستواجه فرنسا على أمل تحقيق فوزها الأول في جميع مواجهاتها بجنود ديغول، وإنجلترا ستواجه إيطاليا في لقاء سيكشف لنا من سيتمسك بفلسفته أمام الآخر.
«الرعب ليس في الضربة، وإنما في انتظارها!” – ألفريد هيتشكوك
[email protected]