في بحثي الدائم عن طبيعة النفس البشرية لا أنظر إلى السلوك وردات الفعل والغضب والحقد والحسد والغيرة والرغبة في الانتقام والأخذ بالثأر، وجدت أن كل هذه الأشياء ما هي إلا غبار يغطي جوهر الكائن البشري، حيث المحبة والفطرة والتسامح والدعم لمن هم أضعف منا، هو الحقيقي الأصيل والنوراني الجميل للإنسان أينما كان ومنذ بداية الأزمان.
وقد تحدثت مع العديد من المتشائمين الذين يرددون بمناسبة وبغير مناسبة أن الأسوأ هو القادم، والعصر الذهبي قد ذهب بغير رجعة، وليس بالإمكان أفضل مما كان، والليل يسود على النهار، والظلم يستشري ويخرج في الشوارع، وما المستقبل إلا أحد الكوابيس التي سنراها أمامنا في بيوتنا.
وفيما أرى دائماً أن النعم الكثيرة التي نعيشها هي ما يجعلنا نشكر الله عليها ونحمده على وجودها في حياتنا، يرى الآخرون إنني متفائل أكثر من اللازم، فالخير انتهى، وما أراه نعماً ليس إلا فتات الحياة التي تلقى على من يزرعها. وما الحب والإخوة الإنسانية إلا أوهام يعيشها أمثالي من الحالمين.
وأنا في غمرة هذا البحث الدائم في الحياة، وصلتني قصة قصيرة عن طريق “الوتز اب”، قصة مؤثرة وتدل دلالة قاطعة على وجود الخير وفعاليته في حياتنا اليومية. تقول القصة على لسان ساردها؛ عاشت في البيت المجاور لنا امرأة مسنة، توفى زوجها قبل خمس سنوات، ومنذ عامين تعرضت ابنتها مع زوجها وطفلين، لحادث توفوا جميعاً على أثره.
عندما عدت من العمل وعلى باب المدخل كان هذا الإعلان مكتوباً بخط اليد “فقدت 20 دولاراً على من يجدها يرجى إرجاعها إلى الشقة.. معاشي صغير جداً، لا يوجد ما يكفي لشراء الخبز”.
وكنت أعرف حالها، فقررت الادعاء بأنني وجدت ذلك المبلغ وصعدت حيث مكان إقامتها. بكت المرأة العجوز حينما أعطيتها المال وقالت: “أنت الشخص الثاني عشر الذي يأتي بالمال ويقول إنه وجده”.
ابتسمت واتجهت بالفعل إلى المصعد، وعندها نادتني وقالت لي “لو سمحت قم بتمزيق الإعلان أنا لم أكتبه”. وقفت المرأة تبكي وتقول تعاطفكم ومواساتكم هو ما يعطيني الأمل.
يقول سارد القصة: عرفت يومها أن الخير سائد في هذا العالم لو أردنا أن ننظر إليه، دوماً كن صادقاً وطيباً بما يكفي تكن حياتك أجمل أمن يستحق.
بعد قراءتنا لهذه القصة، من يستطيع أن يقنعني أن الخير قد انتهى؟. ومن يستطيع أن يرى الجانب الإنساني المشرق الذي يعطينا القوة لمواصلة الخير ،دون انتظار مقابل؟.
إن من يقومون بفعل الخير متوفرون في حياتنا؛ في العمل، في الشارع، في الفريج، في القهوة، في كل مكان، لكنهم من العزة والكرامة لا يريدون أن يفسدوا ما يقومون به بالادعاء، فأفضل الصدقات ما كانت سراً، وأفضل الأعمال تلك التي لا يتكلم صاحبها عنها.
من هنا أقول إذا رأيت ما يستوجب الخير لا تتأخر عنه. قدم الخير ودعه ليمضي، فإنه عائد إليك بأضعاف ما قدمت من أجر وحسنات وبركات.