طبعاً أخاطب المسؤولين -باعتبارهم أصحاب قرار- والذين غالبية منهم خرجوا علينا بتصريحات متنوعة تشير إلى تداعيات “ما بعد الأزمة”، أغلبها تصريحات تهدف إلى “طمأنة” الشارع بأننا “تعلمنا الدرس” وأن القادم أفضل.
نبحث هنا عن الدروس المستفادة، مع التنبيه بأننا لا نبحث عن “كلام”، فالكلام كثير وسهل، لكننا نريد شيئاً نلمسه ونحسه أمامنا كواقع يحصل.
ماذا علمتكم الأزمة؟! أخبرونا على هيئة نقاط، إذ من حقنا كمواطنين أن نعرف كيف سيكون الحال في المستقبل لو كتب للتاريخ أن يعيد نفسه، ماذا تعلمتم بالضبط؟!
المواطنون المخلصون تعلموا الكثير من الأزمة، ويفترض بأن ما تعلموه وصل إلى علم الدولة قبلهم، باعتبار أن النظام هو المستهدف في المقام الأول قبل المكونات الأخرى.
يفترض بأننا تعلمنا أن هناك جهات تستهدف البحرين، وهذه الجهات أعدت لها طوابير خامسة على امتداد عقود حاولت في مرات عدة اختطاف البحرين.
يفترض بأننا تعلمنا بأن هناك أجيالاً في البحرين تمت تربيتها على مفاهيم خطيرة على رأسها الطائفية والإحساس بالمظلومية، وعلى النزعة الانتقامية من الآخر.
يفترض بأننا تعلمنا بأن الإعلام كان ساحة الحرب الأكثر تأثيراً على قضية البحرين، بأننا لم نكن مهيئين أصلاً لخوض هذه الحرب بنفس أسلحتهم، وأن الغرب وعديداً من المؤسسات الدولية تم التأثير عليها من خلال الإعلام.
يفترض بأننا تعلمنا بأنه مهما فعلت الدولة ومهما قدمت فإن هناك من سيظل يلعب لعبة “الانقلاب” في كل وقت، سيظل هناك أناس يشعلون البلد فقط لأن هدوءها لا يسعد قلوبهم، فقط لأن رؤية البحرين تعيش -مثلما كانت يمثل لهم- فشلاً ذريعاً جداً.
يفترض بأننا شاهدنا كيف تحرك الجيل الشاب المخلص للدفاع عن بلده ورموزه وثوابته من خلال جهوده الفردية في وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف تحرك ليشكل جماعات ومنظومات لمخاطبة المجتمع الدولي وبيان الحقيقة.
كل هذه أمور يفترض أن تكون دروساً مستفادة من الأزمة التي مرت بها البحرين، كلها مسائل تفرض علينا التحرك لتقوية مواضع الخلل والضعف، وهنا نقولها وكلنا أسف بأننا نرى هدوءاً وركوناً غير محمود اليوم تجاه الاهتمام بهذه الأمور، على اعتبار أن الأمور هدأت، رغم أن هذا النوع من الهدوء لا تعقبه إلا العواصف.
خطأ جسيم ترتكبه الدولة إن ظنت بأن الأمور انتهت، وإن اعتبرت الوضع اليوم هو انتصار للقضية البحرينية العادلة في مقابل مخططات الانقلاب وتشويه الصورة، الانقلابيون لديهم قضية يستميتون من أجلها، وهذه مسألة واضحة ولا تخفى على أحد شريطة أن ينظر للأمور بواقعية لا بآمال وأحلام.
هل بالفعل استفدنا من الدروس؟! ننظر للجانب الانقلابي فنرى عملية “تفريخ” مستمرة عبر استنساخ أجيال جديدة تأتي لتحمل نفس أفكار الأجيال التي سبقتها، نرى صفوفاً يتم رصها لتواصل على نفس خط سابقيها، نرى صغاراً يتم العمل عليهم ليحولوهم إلى رموز وقادة ومحركين للأمور، فماذا نرى على الجانب الآخر؟!
تقولون بأن لدينا جيلاً شاباً واعياً تداعى للدفاع عن البحرين؟! طيب ماذا فعلتم لهؤلاء الشباب؟! هل تم احتضانهم وتهيئة الظروف لهم؟! أم أن “الهوس” كان من قبل بعض المسؤولين للسيطرة على هؤلاء وتحويلهم لأدوات يتم تحريكها، بل يتم “قمع” جهودها للدفاع عن البحرين؟!
لدينا جيل شاب واعٍ، إن لم تكونوا قادرين على منحه الظروف الملائمة والحرية المطلقة للدفاع عن بلده وابتكار الأساليب التي يراها صحيحة وناجعة، فأقلها لا تتحولوا إلى حجر عثرة في طريقه.
حينما يقال بأن الأزمة أفادتنا من خلال الدروس المستفادة منها، وحينما نقارن هذا القول بالفعل، فكل ما يمكننا قوله بناء على ما نراه أمامنا بأن استفادة الدولة كانت فقط في معرفة الوجوه الحقيقية لأناس سقطت أقنعتهم، ومع ذلك فإن هذه الاستفادة الكبرى بمعرفة من معك ومن ضدك لا نرى إزاءها تحركاً يفيد بأنها مسألة بالغة الأهمية باعتبار أن كثيراً من “السكاكين” و«الخناجر” مازالت في مواقعها، وبعضهم في مواقع رسمية، وبعضهم يتم التعامل معهم وكأنهم “أخلص المخلصين”.
إن كانت الأزمة علمتكم تعطيل القانون بحيث لا تتم محاسبة من خان بلده وأساء لها وعاث فيها الفساد، وإن كانت علمتكم بأن “الذكاء” اليوم باسترضاء الخونة والتساهل معهم ومد جسور التواصل مع الانقلابيين ومنحهم الفرصة تلو الأخرى وقبول تعنتهم وتشرطهم إلى غيرها من مماطلات. إن كان هذا ما علمتكم إياه الأزمة من دروس، فالله يستر من القادم!
{{ article.visit_count }}