من أهم القضايا المؤرقة لواقع مجتمع الأعمال والمال في البحرين أزمة المؤسسات والأشخاص المتعثرين، وربما يعود سبب التعثر إلى تدهور الاقتصاد العالمي بعد الأزمة المالية التي ضربت مجموعة من الدول الرأسمالية والصناعية عبر القارات، إضافة للمعارك السياسية التي أصابت العالم العربي عبر ربيعه في اقتصاده وفي شكله السياسي العام. بما أن البحرين مركز مالي مهم في الشرق الأوسط، ونظامها المالي يشبه في كثير من جوانبه وارتباطاته بمخرجات الأنظمة الاقتصادية في الدول الرأسمالية، إضافة إلى أن مملكة البحرين لم تنج من العاصفة كبقية الدول العربية الأخرى، حتى تشكلت على إثر ذلك مجموعة من المنعطفات الخطيرة أثرت بصورة مباشرة على الواقع الاقتصادي. هذا الواقع الاقتصادي المربك خلف وراءه أفراداً ومؤسسات تعثروا مالياً، حتى إنهم تورطوا في منتصف الطريق، فلا هم قادرون على الرجوع إلى نقطة البداية ولا يمكنهم إكمال المشوار نحو النجاح والربحية، لأنهم أصبحوا عالقين بين الحياة والموت، بين الحرية والسجن!. ذهب بعضهم إلى اعتبار الشركة التي تكبَّدَتْ خسائر لمدة ثلاثة أعوام متتالية هي شركة متعثرة، معتبرين الشركة التي تكبَّدَت خسائر لمدة عامين متتاليين شركة شبه متعثرة. من جهة أخرى قسَّم بعض الباحثين تعثر الشركات إلى قسمين؛ تعثر اقتصادي، وهو عدم قدرة إيرادات الشركة على تغطية نفقاتها أو انخفاض صافي القيمة الحالية للاستثمار، وهناك تعثر مالي، ويأخذ المظهرين التاليين؛ الأول عجز مواجهة الالتزامات قصيرة الأجل رغم تعويض موجودات الشركة لالتزاماتها (أزمة سيولة نقدية)، والأمر الآخر عجز الشركة عن مواجهة الالتزامات المتحققة (الإفلاس) أي عدم وجود رأس المال العامل واللازم لتغطية الدورة التشغيلية للشركة. يطرح كثير من المحللين الاقتصاديين مجموعة من الحلول ذات البعد النظري لحل أزمة المتعثرين، سواء على صعيد الأفراد أو الشركات. هذه الحلول ربما تنجح في ظروف معينة، وربما لا تؤثر إيجاباً في إيجاد حلول تحت ظروف أخرى، من هنا وجب على الدولة دراسة جدوى لكل حالة من أجل الوقوف على طبيعة التعثر ونوعية المُشكل. اليوم هناك كثير من الأفراد المتعثرين مالياً على وجه الخصوص من الذين يعملون في القطاعات المالية بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية المتعاقبة، لا يعرفون كيف يعالجون واقعهم المتأزم، كذلك هنالك كثير من المؤسسات التجارية الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة متورطة في تعثرها. نحن لا نقول إن الدولة تخلَّت عنهم أو إنها لم تتدخل من أجل إنقاذهم، بل على العكس من ذلك عملت الدولة مشكورة على تقديم يد العون لكثير من تلك المؤسسات المتعثرة عبر برامج تمكين وغيرها من الجهات المعنية بحفظ الواقع الاقتصادي في البحرين، لكن المشكلة الحقيقية والأكثر صعوبة هي الأزمة التي ضربت الأفراد، من هنا وجدنا كثيراً منهم -بسبب الأزمة التي اجتاحت واقعهم فأضرت به كثيراً- مطاردين في المحاكم، والبعض الآخر منهم مختبئ في أماكن مجهولة، وفي ذات الوقت يعتبرون من المطالبين جنائياً من قبل إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية بوزارة الداخلية. المطلوب من الدولة أن تقوم بدراسة أوضاع هؤلاء الأفراد تحديداً لعمل تسوية مالية مع الجهات المقرضة، أو مع الأشخاص الذين لهم ذمم مالية عندهم، فربما هنالك كثير من المتعثرين لم يكونوا من الأشخاص المتحايلين أو المحتالين، بل هي الظروف التي باغتتهم فجأة فتعثروا، لهذا يكون من الإنصاف إنصافهم إن كان لهذا الأمر مخرج قانوني يكفل حق كل الأطراف. هنالك فئة من المحتالين والمتحايلين على القانون والناس، هؤلاء ليسوا من اختصاصنا ولا نتحدث عنهم أبداً، بل نحن نتحدث عن أشخاص عرفوا بنزاهتهم الأخلاقية والمالية، لكن الظروف الاقتصادية كانت أقوى منهم فأسقطتهم في مصائب أكبر من أن يتحملها فرد من أفراد المجتمع. من هنا يأتي دور الدولة في معالجة ملف هؤلاء الأشخاص المتعثرين، كلٌّ على حدة، حتى يمكن فرزهم حسب نوعية التعثر وطبيعة المهنة، ويتأكد الجميع أن بإمكان القانون أن يحمي المتعثرين، كما إننا على يقين أن الدولة ستساهم في مساعدة المتعثر الحقيقي، وهذا كل ما نأمله وما نرجوه منها.