عندما واجهت السعودية موجة مستعرة من التطرف الذي قاد إلى الإرهاب طوال نحو عقدين من الزمن خلال التسعينات وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدركت الرياض مبكراً أبعاد هذه الموجة وتأثيراتها المستقبلية. ولذلك لم تقتصر جهودها على مواجهة الجماعات الإرهابية أمنياً وملاحقتها داخل وخارج الأراضي السعودية، وتعزيز قدراتها الأمنية والاستخباراتية فحسب، وإنما شمل استحداث مؤسسات ومعسكرات لاحتواء من وقع ضحية للتطرف الفكري.
هذه التجربة السعودية أثبتت جدواها من جوانب عدة، ولكن لا يبدو أن هناك من يقرأ هذه التجربة ويلاحظ مدى عمقها!
البحرين اكتوت بنار التطرف منذ أكثر من 15 عاماً، عندما دخلت تيارات سياسية غريبة باسم الدين البلاد واستطاعت أن تنشر فكرها المتطرف بين أوساط الشباب والأطفال الذين تحولوا لاحقاً إلى وقود لأعمال الإرهاب التي شهدتها المنامة خلال الفترة من 1994 وحتى الآن.
القادة الذين يدفعون بالفكر المتطرف لم تتم مواجهتهم بشكل واقعي وعملي من قبل الدولة البحرينية، ولذلك استطاعوا الاستمرار في التجنيد السياسي ونشر الفكر المتطرف، الأمر الذي دعم قدرتهم على تكوين قاعدة جماهيرية لا بأس بها، سواءً لدى المكون السني أو المكون الشيعي، وإن اختلفت عقائد التطرف ومظاهر الإرهاب.
هنا لابد من الفصل تماماً بين التعامل مع قادة الفكر المتطرف من جهة، وجماهير الفكر المتطرف من جهة أخرى، وسبب هذا الفصل المقصود أن الصراع السياسي بطبيعته لا يتعلق بالمواجهة بين قادة الفكر المتطرف أمام الدولة بمؤسساتها، وإنما يتمحور حول كيفية السيطرة على الجمهور، وبعدٍ هام من أبعاد السيطرة على الجمهور السعي نحو احتواء من يتأثر بأفكار وتوجهات الخصوم، ولذلك عندما نتحدث عن استهداف الأطفال والشباب بالفكر المتطرف الذي ينتهي بالأعمال الإرهابية عادة في العديد من مناطق البلاد، ينبغي طرح تساؤل يتعلق بآليات الدولة وقدرتها على التعامل معهم.
الحديث دائماً ما يتركز على ضرورة تطبيق القانون، وضرورة محاسبة المتورطين في مثل هذه الأعمال، ولكن من النادر أن يتم الحديث عن كيفية احتواء هذه الفئات المستغلة من قبل قادة التطرف. لنقدم مثالاً هنا: لو تم القبض على كافة الأطفال والشباب المتورطين في الأعمال الإرهابية، ووضعوا في السجون بعد أن تمت مقاضاتهم من قبل السلطة القضائية في محاكمة عادلة ونزيهة، وقضى هؤلاء سنوات عقوبتهم وراء القضبان، فما هي الضمانات لعدم عودتهم لمثل هذه الأعمال؟ وما هي الضمانات لعدم وقوعهم ضمن دائرة استهداف قادة الفكر المتطرف؟
لا أعتقد أنه توجد ضمانات، وهناك العديد من النماذج التي تؤكد مثل هذا الطرح، وأبرزها تصريح المسؤولين الأمنيين في أكثر من مرة، أن المتورطين في أعمال الإرهاب هم من أصحاب سوابق في أعمال إرهابية سابقة!
مثل هذا التصريح يؤكد المشكلة الرئيسة، وهي عدم قدرة الدولة حتى الآن على احتواء التطرف من خلال مؤسسات تتيح إعادة تشكيل قناعات من وقع ضحية للفكر المتطرف الذي قاده لممارسة عمل إرهابي مهما تنوعت درجته.
فرضية تطبيق القانون ليست كافية، لأن التحدي أكبر من ذلك بكثير، ولا يكفي تطبيق القانون مهما كانت له من قوة رادعة مادامت قوة الاحتواء معدومة.
الدولة البحرينية بحاجة لتغيير نظرتها التقليدية تجاه التطرف والإرهاب، وبحاجة أيضاً لإنشاء مؤسسة خاصة لاحتواء التطرف بإمكانيات وقدرات فعّالة حتى تظهر نتائجها على مستوى الدولة.
{{ article.visit_count }}