في شهر رمضان المبارك دفعتني الحاجة لدخول أحد مصانع الطابوق الكبيرة في البحرين. هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها مصنعاً للطابوق. رأيت عمالاً أسيويين ملثمين خشية استنشاق غبار ومخلفات الرمال والطابوق، يعتمرون قبعات مهلهلة، فالأرض تسلخ الجزء الأسفل من أجسامهم النحيفة، والشمس تتكفل بإحراق الجزء العلوي منها، ومع ذلك فهم يصومون كما يصوم النائمون في غرف النوم حتى المساء، أو كمن يصومون وهم على مكاتبهم المخملية. تعززت النظرة لدي، وهو أنه يجب على دول الخليج العربي أن تفكر جدياً في الاعتماد الكلي على شعوبها وعلى العمالة الوطنية لديها في شتى المجالات، ولو على المدى البعيد، فنحن نأكل وننام ونستهلك، ولا نعرف حقيقة كيف تُبنى أوطاننا أو حتى من يبنيها نيابة عنَّا. ربما يكون البحرينيون أفضل حالاً من بعض شعوب دول الخليج العربي من حيث الاعتماد على طاقاتهم البشرية، فالبحريني يعمل سائقاً ومنظفاً وبائعاً وتاجراً وموظفاً ومديراً ونجاراً وحلاقاً ومزارعاً وأشياء كثيرة أخرى، ومع ذلك، فهذا لا يعني أن جميع البحرينيين مستعدون للعمل في هذه الحقول العملية، بل على العكس، فطريقة وأسلوب العيش والتفكير والتربية الحديثة المرفَّهة، تنتج لنا اليوم شباباً كسولاً يعتمد على الأجنبي أكثر مما يعتمد على نفسه. كل الخليجيين يشتكون من شرور ومخاطر العمالة الأجنبية الجاثمة فوق صدورهم، ويشتكون خطرها على المجتمع وعلى طبيعة تركيبته، وكل منهم يشتكي جرائم هذه الشريحة من العمالة الرخيصة، المنتظمة منها والسائبة، وفي ذات الوقت فإنهم ليسوا على استعداد للعيش من دونهم، فالأجانب بالنسبة لديهم هم المحرك الحقيقي غير المعلن لاستمرار التنمية وازدهار أوطانهم. فلا المرأة تستغني عن شغالتها الآسيوية، ولا تستغني أيضاً عن حاضنة أطفالها، وعن الفلبينية التي تصفف شعرها وتقلَّم أظافرها، كما لا تستغني عن مصمم ملابسها وعن البائع والسائق والقائمة تطول. الرجل الخليجي ليس بأفضل حال من المرأة، فهو يعتمد اعتماداً شبه كلي على الأجنبي، بداية من الحلاق وانتهاء بمن يقوم بتنظيف سيارته الفارهة أو حتى (العقار). إن فكرة عمل الأجنبي في الخليج العربي كانت في أساسها فكرة مؤقتة إلى أن يحل محله المواطن، فحين يتعلم المواطن من الأجنبي خبرته في العمل، فحينها يجب الاستغناء عنه، وهذه في الحقيقة لا تكون إلا عبر خطط زمنية مدروسة، وعبر استراتيجيات عملاقة، تنهض بها حكومات دول الخليج العربي، وفي المقابل، يجب على الخليجيين أنفسهم، أن يقوموا بكل وظائف الأجنبي، لأنْ ليس من المعقول أن تكون استمرارية بقاء الوطن على المدى البعيد، مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالأجنبي، ولهذا يجب أن يكون الأجنبي حاضراً في الأمور التي يصعب على الخليجي القيام بها، وما دون ذلك فالاعتماد عليه بصورة كلية يعتبر تخاذلاً ضد الأوطان. خرجتُ من مصنع الطابوق الذي يُشغِّله الأجانب، وتساءلت في نفسي؛ متى سنشغِّل مصانعنا ومعاملنا وبنوكنا ومتاجرنا وزراعتنا ورصف شوارعنا وبناء عماراتنا وكافة مؤشرات نهضتنا بأيدينا الوطنية، لا بأيدٍ أجنبية؟ هل سيأتي ذلك اليوم؟ أم أننا سنظل نستنسخ أنفسنا، فنرى قبح تصرفاتنا ماثلة أمامنا في وجوه أجيالنا القادمة؟ إن حدث هذا المكروه من التصرفات غير المحسوبة، فلا أعتقد بعد أن (ينشف) نفطنا الأسود، إلا أن نعمل (كوليَّة) في الدول التي تصدر لنا عمالتها اليوم، وحينئذ، يالها من فضيحة.