إعلام أعور ورخيص ومأجور ومنافق وعميل؛ ذلك الذي يفتح العيون على مصراعيها على أحداث القطيف المفتعلة ويغمض العيون والحواس الخمسة عن مأساة الفلوجة المتجددة، نعم ملف الإبادة الجماعية بحق أهل الفلوجة والتي حدثت أمام عيون الجميع لم تغلق بعد، وللتذكير بالفصول القديمة والجديدة فإن حصاد ماكينة القتل الأمريكية برعاية دولية صامتة ومتخاذلة كانت في حصيلة نهائية للمعركة الأولى والثانية 35000 ألف بيت ومحل تجاري ومصنع تم تسويتها في الأرض، و10000 شهيد وشهيدة دفن جزء كبير منهم كأشلاء بلا رؤوس أو أطراف، و5000 معاق لا يزالون ينظرون بكبرياء لصمت العالم المخزي وهم الشهود الأحياء على الإبادة، و40000 يتيم عاصروا الموت والحرمان والجوع والعطش بعد استشهاد أحد الأبوين أو كلاهما، و6000 أرملة على عاتقها اليوم إعالة وتربية الأيتام في ظل تقاعس حكومي مقصود، و100 مأذنة أصبحت أثراً من بعد عين في مدينة تعرف في العالم الإسلامي بمدينة المساجد والمآذن، أما الفصل الجديد فهو انتشار واسع للإصابة بأنواع من مرض السرطان لم يعرفها العراق ولا المنطقة، وظهور أكثر من 1500 حالة تشوه بين أطفال الفلوجة مات أكثر من نصفهم بينما يعيش البعض الآخر مع إعاقة وتشوهات يقول عنها الأطباء «إنهم لم يدرسوها في كليات الطب ولم يسمعوا بها»، وهي بالتأكيد نتيجة الأسلحة المحرمة دولياً والتي أمطرتها فوق رؤوس أهالي الفلوجة راعية الديمقراطية حول العالم أمريكا المبجلة، عليها وعلى رؤسائها المتعاقبين الأحياء منهم والأموات ما يستحقون من الله جل في عليائه.
بالتأكيد أن الفصل الجديد من أحزان هذه المدينة هو نتيجة الآثار الكارثية لليورانيوم المنضب المستخدم في القنابل التي ألقتها القوات الأمريكية على الفلوجة سنة 2004، والتي أدت إلى ازدياد حالات الإصابة بالسرطان إلى جانب كثرة المواليد المشوهين، بالتأكيد إن هذه الحقائق لم يكشفها الإعلام العربي، ولم يتناولها إلا بعد أن أصدر معهد «فورين بوليسي إن فوكس» الأمريكي تقريراً مهماً جاء فيه: إن الرواية الرسمية لـ «حرب» الفلوجة كانت مشرقة، حيث انتعشت المدينة مرة أخرى، لكن هذه الروايات تتجاهل عادة الآثار الطويلة التي تتركها الحرب على السكان، واحدة من هذه المشاكل الأكثر خطورة، برأي المعهد، هي تفاقم الأزمة الصحية العامة في السنوات التي تلت الغزو، كانت التقارير الطبية تشير إلى زيادة مهولة في عدد الولادات المبكرة ووفيات الرضع والعيوب الخلقية أثناء الولادة، حيث ولد كثيرون من دون جماجم أو مع نقص في أحد الأعضاء الرئيسة أو من دون ذراعين أو ساقين وأنه من أصل 170 طفلاً ولدوا في شهر سبتمبر من العام 2009 على سبيل المثال، توفي 24% منهم خلال الأيام السبعة الأولى علماً أنهم كانوا مشوهين بنسبة 74%، وأضاف «على مرّ السنين يبدو أن الأزمة تزداد سوءاً، في وقت يحذر الأطباء من تزايد نسبة العقم لدى النساء».
وأشار المعهد إلى أن «الآراء الطبية العديدة تربط بين هذه الأزمة والأسلحة التي استخدمها الأمريكيون، لا سيما وأن هؤلاء قد أقروا أنهم استخدموا الأسلحة الفوسفورية التي تسبب حروقاً بالغة في الفلوجة، مستدركاً بالقول رغم إنكار المسؤولين الأمريكيين أنهم استهدفوا المدنيين أو استخدموا اليورانيوم المنضب إلا أن احتمال تسبب الأسلحة التي استخدموها بكارثة الفلوجة الصحية يبقى الأكثر ترجيحاً.
وذكر المعهد؛ حاول الدكتور كريستوفر بوسبي، وهو أستاذ كيمياء في جامعة أولستر البريطانية والمتخصص في علم السموم البيئية، في دراستين حديثتين أجراهما لتفسير أزمة الفلوجة الصحية. وفي الدراسة الأولى، التي أجراها فريق من الباحثين زاروا 711 أسرة في الفلوجة، تبين أن العيوب الخلقية، بما في ذلك تشوهات الهيكل العظمي ومشاكل القلب، ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في العام 2010.
وفي الدراسة الثانية، التي أجريت على عينات شعر 25 من آباء وأمهات أطفال مشوهين في الفلوجة، تبيّن أنها تحمل مادة اليورانيوم، وقد أكدت الدراسة أن هذا هو سبب ذات صلة رئيسة بموضوع العيوب الخلقية والإصابة بالسرطان في الفلوجة.
ويعتبر المعهد أن صمت الصحافة الأمريكية حول ما حصل في الفلوجة، يعكس رغبة حقيقية في نسيان هذا الفصل «المخزي» في تاريخ السياسة الأمريكية في العراق.
وشهد شاهد من أهلها وتعظيم سلام للديمقراطية الأمريكية.