يحصل، بل حصل ما كنا نقوله منذ فترة، لكن اليوم تتكشف الأمور بشكل أكبر، إذ في نهاية المشهد سيجد من صدّق الوفاق ومن ركض وراء ائتلاف الجمعيات الساعية لإسقاط النظام، ومن هلّل وكّبر لصرخة “صامدون” و«اسحقوهم” وغيرها من الصرخات الثورية سيجد أنه يقف وحيداً في النهاية. يتردد بأن أحد المعارضين وهو صناعة غربية بحتة قرر مغادرة البلاد بلا رجعة، بل يتردد أنه رحل أصلاً مع عائلته، في وقت رئيسه والناطق الرسمي بلسان الطيف المعارض يقول للناس “ضحينا من أجلكم” ويقول لهم “صمود وعائدون”! سذاجة “الأتباع” تتضح هنا من خلال قول بعضهم في منتدياتهم بأن المعارض المعني سيذهب للخارج لأنه لا يقدر على التحرك في الداخل بسبب المضايقات، وبالتأكيد سيفعل شيئاً مؤثراً من هناك! لله در هذا التفكير، أوهذا الخداع للنفس. الرجل إن صح خروجه، فهو يذهب باحثاً عن وضع شخصي له، تاركاً إياكم وراءه هنا في “الميدان” كما تسمونه، أنتم من تتصادمون مع رجال الأمن، وأنتم “وقود المحرقة” وأنتم من تخرجون في المسيرات في الجو “الجهنمي” الحارق، بينما هم يعرفون اللعبة تماماً، سيجلس فلان وغيره في أقاصي الأرض وكل ما عليه هو الظهور بتصريحات إعلامية، والقنوات “ما شاء الله”، ووسائل التواصل الاجتماعي “تقول عندي الزود”، يصرح هنا، ويصرخ هناك، ويهتف بهتافات ثورية، والأتباع يهتفون ويصرخون والأهم ينفذون. اللعب بالكلام فن لا يجيده أي أحد، واسألوا علي سلمان فهو وصل لمستوى متقدم من ذلك فاق به حتى أقرانه أصدقاء النضال اللندني في التسعينيات، حتى من حوّل نفسه لإعلامي خطير لا يمكنه التفوق على قدرة صديقه في الإقناع والتأثيرعلى العقول. هم يعرفون كيف يحركون “ضحاياهم”، كيف يحركون من يتبعهم، بمجرد استخدامهم كلمات “صمود”، “عائدون” و«ضحينا من أجلكم”، بمجرد زراعة الوهم في العقول! معقولة، ضحوا من أجلكم؟! كيف اشرحوا لنا؟! الناس هي التي وقفت في وجه رجال الأمن ساعة الإخلاء الثاني للدوار، ومن “ضحوا لأجلهم” ولا واحد منهم موجود في المكان! بل من يرفع يده بالحركات الثورية ويقول “ضحينا لأجلكم” كان في قناة غربية لحظتها يذرف دموع التماسيح! بل أين كانوا حينما تم الإخلاء الأول للدوار؟! كيف يخرج من يقولون لكم أنهم “يضحون من أجلكم” وأنهم “يناضلون من أجل العدالة”، كيف يخرجون قبل الإخلاء بسويعات ويتركون الناس؟! حينما تعرف الطريق الذي من خلاله تلعب في عقول البشر فإنك تبذل أقل الجهد في ذلك، بل حينما يصل البشر لمرحلة يسلمون فيها عقولهم ويمنحونك “وكالة” لأجل أن تفكر عنهم وتقرر عنهم وتحركهم كقطع الشطرنج حينها تقدر أن تعلن النضال بالطريقة البحرينية التي نراها اليوم. الضحايا هم البشر، هم الناس الذين تبعوا هؤلاء، هم من يظنون بأن هؤلاء سيبدلون حالهم في لحظة، هم من صدقوا هؤلاء بأن القضايا الرئيسة ليست مرتبطة بالمعيشة وهموم الحياة، بل القضايا الرئيسة الآن مرتبطة بانتخابات وسلطة ودستور وغيرها من أمور لا تتقاتل عليها الأحزاب السياسية في أي بلد إلا من أجل النفوذ وفرض الهيمنة وتحقيق أجندات فئوية. معارضتنا الخطيرة تحرك الناس بـ«الريموت كنترول”، تدعوهم لسلسة مسيرات فيخرجون لا يبالون حتى لو تعرضوا للأذى جراء الاصطدام المفتعل الذي يقوم به البعض مع رجال الأمن. في حين لو تلفتم في هذه المسيرات فلا تجدون قادة التحريض والتجييش يتصدرون الصفوف، قد تجدون واحداً أو اثنين ممن يريدون الشهرة والبروز الإعلامي والهتافات، لكنكم لن تجدوهم جميعاً، لن تجدوا من “كلّف نفسه” وخرج لمرة وبعدها افتعل ومعه أتباعه ووسيلة إعلامهم “فيلم أكشن” بتعرضه لمحاولة “اغتيال”! اغتيال مرة وحدة! المثير أن بعض “الضحايا” من البشر الذين تم تحويلهم لـ«أتباع” بدأوا يعرفون أصول اللعبة، بدأوا يتساءلون عن أسباب غياب قادة النضال الذين “ضحوا من أجل الناس” في هذه التجمعات والمسيرات، بل بدأوا يسائلونهم عمّا يريدون فعله بالناس بعد كل ما دفعوهم خلاله طوال الشهور الماضية ومازالوا. ألم تفهموا اللعبة بعد؟! حولوكم لدمى يحركونها بالصوت وبالصراخ “الثوري”. يتركونكم في الواجهة ويقولون لكم اهتفوا بالكلمة السحرية “صمود”، بينما هذا يفتح قنوات اتصال سرية مع الدولة ليخرج بصيغة تفاهم تحت مسمى “حوار” يستعيد بها بعض مكاسبه، وذاك يسافر ليستقر في الخارج يؤمن أقلها مستقبله، وهؤلاء ينتقلون في الدول الأوربية ليدافعوا عن القضية البحرينية (جو أوروبا أفضل من البحرين بالأخص في الصيف)، طبعاً لا تسألوهم عن مصدر تمويل السفرات والسكن ومصروفات الجيب في تلك الدول، لا تسألوهم، فهم الذين “يضحون” بأنفسهم لأجلكم، بالتالي لا ينبغي سؤالهم عن تفاصيل التضحية! أسألوا الناس حول العالم، من يمنح نفسه صلاحية قيادة البشر، ومن يعطي نفسه الحق في تقرير مصائرهم، يفترض به أن يكون دائماً في الصف الأمامي، صح؟! يفترض أن تكون الطلقة الأولى في صدره لا صدور الناس، أليس كذلك؟! يفترض به وهو “المناضل” الذي “يضحي من أجل الناس” أن يحمي الناس ويجنبهم الأذى لا أن يلقى بهم بكل سهولة في النار باستخدام الكلام الثوري وعمليات “غسل الأدمغة”، لا يتركهم وحدهم بينما يركب الطائرة محلقاً هنا وهناك ليناضل من وراء شاشات التلفاز بما هو يفلح فيه! إنه “نضال الكلام” فقط. من يقول “ضحينا لأجلكم” يفترض بأنه مستعد لأن يموت لأجل الناس، لا أن يدفع الناس للموت لأجله ولأجل أهدافه ومطامعه. هم “ضحّوا بكم”، وسيظلون يضحّون بكم، طالما هم ينجحون كل مرة في تحريككم كأدوات ودمى باستخدام الكلمات فقط.