يتبادلون الأخبار بأن مسيرة “مفاجئة” خرجت في العاصمة ثم يكتشف أن المشاركين فيها لا يتجاوز عددهم العشرين شخصاً، وفي بعض الأحيان العشرة أشخاص! حقيقة لم أجد أفضل من هذه التسمية لأنعتها بها.. فهي حقاً مسيرات “بو آنتين”؛ أي أنه لا قيمة لها سوى إحداث الفوضى بغية ضرب الاقتصاد، ولهذا فإن الفرحة بدت غامرة لدى البعض الذي بادر بالقول إنها “خطوة متقدمة”، ونعت المشاركين فيها بـ«الشرفاء” وحيّا “عقولهم الرائعة”! بينما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتغريدات ملخصها أن “شللاً” يضرب شوارع المنامة التجارية وسط “حضور مهيب للأحرار” واعتبرت “الوفاق” عبر سلسلة بيانات أصدرتها ذلك العمل إصراراً من المواطنين على ممارسة حقهم في التظاهر في العاصمة! لا أحد ينكر حق التعبير عن المطالب، فالدستور يكفله وبالتالي فإن من حق أي مجموعة أن تنظم المسيرات والمظاهرات والاعتصامات وكافة أشكال التعبير السلمي بمجرد إخطار الجهات المعنية بتلك الرغبة، لكن القانون الذي ينظم هذا الحق يؤكد أيضاً حق الآخرين الذين لا علاقة لهم بصنوف التعبير تلك وهذا بالتحديد هو دور وزارة الداخلية التي عليها أن توفر الأمن للجميع وتمنع تعرض هؤلاء وهؤلاء للأذى وتحمي الاقتصاد. هنا مثال لتقريب الصورة؛ لنفرض أن مجموعة تريد إقامة احتفال راقص في أحد الأحياء لكن ذلك الحي يعاني من ضيق في الطرقات وبيوته تضم كباراً في السن ومرضى وبينها بيت فقد أهله للتو عزيزاً. هذه حالة ممكنة وهي تتضمن نقاطاً أساسية أولها أن من حق تلك المجموعة أن تعبّر عن فرحتها وتقيم الاحتفال الراقص، لكن ثانيها وثالثها ورابعها يفرض أموراً أخرى هي أن المكان لا يستوعب هذا النوع من الاحتفالات وأن كبار السن والمرضى سيعانون من الإزعاج وأن الذي فقد عزيزاً يحتاج إلى من يواسيه، فكيف تتصرف الجهات ذات العلاقة؟ هل تسمح بإقامة الاحتفال أم تمنعه؟ لعل أحداً يقول إن العرف يمنع من الأساس التقدم بالإخطار لإقامة الاحتفال الراقص، فأقول فكيف إن أصرت تلك المجموعة على الاحتفال رغم كل شيء وبحجة أن الاحتفال لن يزيد عن ساعة أو ساعتين؟ نعم من حق هذه المجموعة أن تحتفل وتفرح وترقص وتغني، لكن من حق أهل الحي أيضاً أن يهنؤوا بحياتهم ويرتاحوا في بيوتهم. هذه الإشكالية تتطلب إذن نوعاً ما من التنظيم كأن يتم الاتفاق على تغيير مكان الاحتفال أو تحديد أماكن خاصة للاحتفالات. ما يحدث اليوم من تقديم إخطارات للخروج في مسيرات ومظاهرات يحتاج أيضاً إلى تنظيم كي لا يتسبب هذا الحق الدستوري والقانوني في أذى الآخرين وتعكير صفو حياتهم، لهذا تم التعبير عن الحاجة إلى تحديد أماكن خاصة يتم فيها ممارسة ذلك الحق، وطالما أن الصوت سيصل من تلك الأماكن فما مبرر الإصرار على الخروج حيث يتسبب في أذى الآخرين والتأثير على الاقتصاد؟ إن مثل العاصمة مثل ذلك الحي الصغير ضيق الطرقات المليء بأناس يحتاجون الراحة، وفي بعض بيوتها حالات تستوجب التعاطف معها، لهذا فإن الدعوة جاءت لإبعادها عن هكذا أنشطة لا يختلف على أنها حق دستوري وقانوني. قبل أيام قامت مجموعة من الشباب بإشعال إطارات السيارات في بعض شوارع العاصمة وإحداث حالة من الفوضى تسببت في ترويع الآمنين وتعطيل حياة الناس ساعة الإفطار. المؤسف أن هذا تم بذريعة ممارسة الحق الدستوري وبهدف الضغط كي لا تمنع الحكومة تنظيم تلك المسيرات في المنامة. ما قد لا يدركه أولئك الذين يقفون وراء تنظيم المسيرات فئة “بو آنتين” هو أنها تتسبب في إقناع الناس كافة أنهم إنما يريدون إحداث الفوضى في العاصمة وضرب الاقتصاد وهو ما لا يقبل به عاقل.