ليس من طبعي استخدام مفردات مثل؛ غباء وثوارة وما شابه، ولا أحبذها، وتعودت أن أنتقد من يستخدمها شفاهة أو كتابة، لكنني للأسف أجد نفسي مضطراً هذه المرة لاستخدامها هنا، فما شاهدته يصعب معه تجاوز استخدام هاتين المفردتين على الأقل. ففي إحدى ليالي الأسبوع الأول من الشهر الكريم تناقلت المواقع الإلكترونية صورة مثيرة ذيلت بتعليق يعبر كاتبه عن “الفخر والاعتزاز” لتنفيذ تلك العملية “النوعية”. الصورة لمن لم يشاهدها تتضمن الآتي؛ طريق زراعي واضح أنه في إحدى قرى البحرين، على أحد جانبيه توجد فلل قليلة و«طبيلة” وعلى جانبه الآخر سور من سعف النخيل لبستان وسيارة، في الطريق بين الفلل وسور البستان توجد إطارات سيارات تشتعل فيها النيران وينبعث منها دخان أسود كثيف.
من الوهلة الأولى يتبين لمشاهد تلك الصورة مقدار محدودية عقل (يعني غباء) الذي فعل ذلك ومحدودية عقل محرضه والناعت فعله بأنه يدعو إلى الفخر والاعتزاز، ذلك أن المتضرر هنا ليس هو الخصم (السلطة) ولكنه أهل القرية أنفسهم، فساكنو تلك الفلل القليلة تضرروا ولا شك من الدخان الكثيف الذي انبعث من تلك الفعلة النكراء (ولعل في البيت أطفال.. وكبار سن.. وحرائر.. ولعل بينهم متعاطفون أو حتى مشاركون في المسيرات) عدا أنهم ظلوا لبعض الوقت معرضين لاحتمالات أن تنتقل النار إليهم بفعل شرارة تطيرها ريح رافضة لذلك الفعل الشنيع، أما صاحب البستان فالأكيد أنه وضع يده على قلبه وهو يرى تلك الصورة القبيحة حيث الشرارة يمكن أن تطير إلى السور المؤلف من سعف النخيل فيحترق بستانه كله أو يتضرر ولن يجد له صاحباً. هذا عدا السيارات التي ظلت مؤهلة للحريق في أي لحظة للسبب ذاته.
لا أدري إن كان المعنيون بالدفاع المدني قد أطفأوا تلك النار فوراً أو بعد إشعالها بقليل ولكني أدرك أن الكثيرين ممن شاهدوا تلك الصورة تمنوا ألا يفعل الدفاع المدني ذلك لعل أهل القرية يدركون مدى قباحة الفعل الذي قام به أبناؤها الذين لن يترددوا عن تقديم أقبح الأعذار وسيرمون باللوم على السلطة التي “اضطرتهم” للقيام بذلك الفعل، وفي كل الأحوال سيضيع حق المتضررين.
ذلك مشهد من بين عشرات المشاهد التي تبين مدى تعرض المواطنين والمقيمين لنتائج محدودية عقل أولئك الذين للأسف لا يزالون دون القدرة على إدراك ما قد ينتج عن أفعالهم تلك من مآس وويلات على الأبرياء وفيهم أهلهم وتبين في الوقت نفسه قصر نظر المخططين والمحرضين لهم على تلك الأفعال التي أثرت سلباً على رصيدهم من التعاطف خاصة وأنهم لم يتوقفوا عن ذلك في شهر الله وأفسدوا على العباد فرحتهم بهذا الشهر الكريم.
لو كان أصحاب “العقول” من المحرضين للشباب على ارتكاب تلك الأفعال الطائشة يمتلكون قليلاً من العقل لسعوا إلى توظيف شهر رمضان في التقريب بين الناس وتأكيد رغبتهم في الحوار والتصالح والتعبير عن حبهم لوطنهم أو على الأقل صرفوا وقتهم في التحرك السياسي الذي يمكن أن يجنوا منه فوائد كثيرة أقلها زيادة رصيدهم من المتعاطفين والمناصرين . لو كان عقلاؤهم عقلاء فعلاً لمنعوهم من ارتكاب تلك الأفعال التي تسيء إليهم وإلى “قضيتهم” وتجعل الناس في الداخل والخارج ينظرون إليهم على أنهم مجرد غوغاء لا يدركون حتى ماذا يريدون.
تعطيل حياة الناس ليس شطارة وتعريضهم للخطر إثم كبير يتناقض مع العمامة التي يستظلون بها، واستغلال شهر رمضان في بيان “المظلومية” عبر ظلم الناس يظهرهم على أنهم فوضويون بل مجرمون .
أعتذر عن اضطراري لاستخدام لفظتي غباء وثوارة ولكني بالفعل لم أجد غيرهما وصفاً لتلك الأفعال.. الغبية.. والثواروية!