نقل موقع محطة “سي إن إن” العربية شريط فيديو حي مسجل لمسيرة قامت بها سيدات أردنيات يطالبن بحقهن في إعطاء الجنسية الأردنية لأبنائهن من أزواج غير أردنيين. ويعترف التقرير أنه بالنسبة للأردنيات المشاركات في تلك المسيرة المتواضعة في عدد من خرجن فيها، “لكن الأرقام لا تعني شيئاً، فخلال المظاهرة، الصبر هو الأهم، أو على الأقل، هذا ما تقوله الناشطة نعمة حباشنة”.
قد لا تجد هذه الفعالية النسائية حظها الذي تستحقه من التغطية الإعلامية، وسط ما يجتاح بعض الدول العربية من أحداث، تفوق في أهميتها الإعلامية مثل تلك المسيرة الإعلامية، وتحظى مطالبها السياسية باهتمام لدى المواطن العربي، يتجاوز أية أحداث أخرى بما فيها تلك المسيرة. لكن في حقيقة الأمر إذا كانت وسائل الإعلام العربية والدولية التي تغطي أحداث الثورات العربية، على أهميتها وضرورة الحديث عنها، تتابع الحاضر العربي، فإن مسيرة النساء الأردنيات تخاطب المستقبل.
وكما يقول التقرير فإن “قانون المواطنة في الأردن لا يختلف عن غيره من الدول المجاورة، رغم قيام عدد منها كمصر والإمارات بتعديله فيما يتعلق بهذا البند”.وهذه حقيقة مرة ينبغي أن نعترف بها، وهي أنه والأم العربية تلج القرن الواحد والعشرين، لكنها ما تزال حتى الآن، متى ما تزوجت من رجل أجنبي، غير قادرة، بموجب القانون، أن تمنح إبناءها جنسيتها.
تجدر الإشارة هنا، أنه في الأردن وحدها، وكما جاء في ذلك التقرير، “يقدر عدد الأردنيات وأولادهن ممن يشملهن هذا القانون بنحو 40 ألفاً”، ما يعني أن هناك ما لا يقل عن 100 ألف مواطن أردني، مجردين من حقهم، في كسب جنسية والدتهن، ليس لذنب ارتكبوه، وإنما “عقاباً لوالدتهن التي سمحت لنفسها بالزواج من غير أردني”.
تبريرات كثيرة تعكس تخوفات وهمية تحاول أن تستفيد منها حكومات الدول العربية من أجل استمرارها في العمل بهذا القانون، فهي في الأردن، كما تقول عنها مقررة لجنة المرأة وحقوق الإنسان في نقابة المحامين الأردنيين نور الإمام، في حديث خاص مع محطة “سي إن إن” ، تعود إلى وجود “ تخوّفات من أن يصبح الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين المتزوجين من أردنيات حال إعطاء الزوجة جنسيتها لأبنائها وبالتالي تخوّف من عملية تجنيس لأكبر عدد من الفلسطينيين”. أما في لبنان، فإنها كما تقول عنها العضو في منظمة “كفى عنفاً واستغلالاً” ليلى عواضة لـمحطة “سي إن إن”، حالة أصعب، “بسبب الديمغرافيا والطائفية الموجودة فيه، حيث إن هناك تخوّفاً من أن يغلب عدد الطائفة المسلمة على المسيحية نتيجة زواج الفلسطينيات من لبنانيين. وتؤكد عواضة أن “السبب يعود إلى مبدأ التمييز ضد المرأة وعدم الاعتراف بحقوقها كاملة بمساواة الرجل داخل مجتمع ذكوري”.
وتشارك عواضة في تلك النتيجة بشأن ذكورية المجتمع العربي الناشطة الأردنية في مجال حقوق المرأة نعمة الحباشنة، حين تقول “توجد عنصريّة ذكورية في العالم العربي بحيث إن الرجل هو المميز دائماً ويحق له ما لا يحق لغيره، وإذا ما فعلت المرأة العربية شيئاً يتم محاربتها، (مضيفة) مقابل كل سيدة عربية متزوجة من أجنبي يوجد رجل عربي آخر متزوج من أجنبية، لذلك لا يحق لأي كان لوم المرأة”.
الجدير ذكره هنا، أنه حتى في حالة الدول العربية، مثل مصر، التي تبيح قوانينها للأم المتزوجة من أجنبي منح جنسيتها المصرية لأبنائها، فالأمر، مختلف على أرض التطبيق العملي. يشرح ذلك الحقوقي المصري محمود قنديل بالقول: “تم التعديل على القانون في مصر فقط فيما يتعلّق بحق الأم في إعطاء جنسيتها لأبنائها وعدم إعطائها لزوجها. ورغم ذلك لا يعد حقاً يتم بصورة سريعة، إنما هو محاط بإجراءات بيروقراطية عقيمة قد تتجاوز العامّة”.
في حقيقة الأمر، وبعيداً عن مسألة السيادة الذكورية على سلوك المجتمعات العريية، والتي تتمظهر ليس في قضية منح الأم لجنسيتها لإبنائها، وإنما تتعدى ذلك إلى ما هو أهم، وأكثر خطورة، عندما نصل إلى حقوق الأبناء في التمتع بما تبيحه قوانين تلك البلدان للأمهات وتحرمه على الأبناء، والمتعلق بالخدمات التي تقدمها الدولة لأبناء مواطنيها. حيث يجرد الأبناء، من بنين وبنات دون استناء، من الخدمات التعليمية والصحية، ومنافع كثيرة أخرى، التي تقدمها الدولة، وينطبق عليهم قانون الأجانب، الأمر الذي يلقي على كاهل الأسر، وخاصة تلك التي تنتمي إلى فئة الطبقة المتوسطة، وهي شريحة واسعة في البلاد العربية، مسؤوليات مالية كبيرة تنوء بها تلك الأسر، وتعجز عن تحملها، فيذهب ضحيتها الأبناء في الحرمان من التعليم والرعاية الصحية، فكلتاهما سوف يحتاجان لموازنات أسرية كبيرة، فيما لو اضطرت الأسرة إلى الاتجاه نحو التعليم أو الطب الخاصين. محصلة ذلك، نبذ المجتمع لتلك الفئة من الأبناء، الذين يتحولون تلقائياً إلى ما يشبه “اللقطاء”، إن جاز لنا القول، لكنهم هنا لقطاء ليسوا منبوذين فحسب، وإنما مظلومون أيضاً من قبل الدولة المعنية، ومن خلال قوانينها التي سنتها، وهو نبذ وظلم تجاوز حدوده ذلك الازدراء الاجتماعي العفوي الذي نجده لدى فئة من المجتمع، كما هو الحال مع اللقطاء التقليديين.
يمكن تقريب هذا المشهد المأساوي لأولئك الأبناء الصورة في رواية شخصية مرموقة، هي الفنانة السورية عزّة البحرة المتزوّجة من أردني، والتي تصف حالتها المؤلمة بشأن تجديد الإقامة، حيث “كانت ابنتها قد أجرت عملية جراحية منعتها من تجديد الإقامة في الوقت المحدد، فما كان من الشرطة إلاّ أن اقتادتها إلى المخفر رغم ظروفها الصحية”. إلى جانب ذلك تتحدث البحرة عن جور قانون التوريث السوري رقم/11/ للعام 2008 ، والذي، حسب قولها، “لن تتمكن بمقتضاه من توريث ابنتها شيئاً من أملاكها رغم حقها الشرعي في الإرث، (مضيفة) أن هذا الوضع جائر وظالم إذ يمكن أن تأخذ أملاك الدولة حق ابنتي في أموالي فقط لأن والدها غير سوري. “
لذا يصبح الطفل العربي لقيطاً بموجب قانون دولة أمه، التي يحرمها ذلك القانون، بكل قسوة من أدنى أشكال التشريعات الحضارية، من ممارسة أدنى حقوقها الإنسانية تجاه أقرب الناس لها، وهم أبناؤها.
هذا الحديث يقتصر على الأسر التي تنعم بحياة عائلية مستقرة، لكن عندما يدب الخلاف بين الأبوين، يكشر الزوج العربي عن أنيابه في سلوكه داخل مؤسسة الأسرة، تجاه زوجته أوحتى أبنائه، ويستفيد الأب حينها، دون الأم، من قانون الأحوال الشخصية الذكوري الذي يقف، بشكل مطلق إلى جانب الأب ضد الأم. يتحول الوالد هنا إلى وحش كاسر، ومنتقم أعمى، يكون ضحيته، إلى جانب الأم، الأبناء، الذين غالباً ما يستخدمهم الأب الظالم، ورقة ضغط فعالة، لإذلال الأم، وتجريدها من أوهى حقوقها التي لا تتردد في التضحية بها من أجل حماية أبنائها من تداعيات تلك النزعة الانتقامية، عندما تصل إليهم، بفضل قانون منح الجنسية الجائر الذي يحرم الأم من هذا الحق المتواضع، الذي أقرته لها قوانين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وتنعم به نظيراتها في الدول المتحضرة. وهذا حق يؤكده القانوني صخر الخصاونة عندما يقول “إن إشكالية عدم التجنيس تشكل خرقاً للقواعد المتعلقة بحقوق الإنسان وأهمها المساواة بين الرجل والمرأة بالحقوق والواجبات، كما إنها تشكل انتقاصاً للمرأة من حقوقها خاصة في حال فشل زواجها من أجنبي أو مات زوجها