كان آخر ما اختتمت به مقال الأسبوع الماضي «السؤال الكبير أمام القمة الإسلامية الاستثنائية» هو تساؤل كنت قد أشرت إلى أنه ورد في مقال المفكر الكبير الدكتور محمد جابر الأنصاري عندما قال «المنتظر من قمة مكة التي دعا إليها الملك عبدالله بن عبد العزيز» حين طرح التالي: «كيف نتجنب الحرب الأهلية بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي، خاصة وأن هناك قوى دولية تخطط لإذكاء روح الفتنة بين الجانبين، كما إن مؤشرات عدة تشير إلى إمكانية حدوث هذا المحذور، خاصة إذا تم الخلط بين الدين والسياسة»، وقد أوضحت في ذات السياق أن مؤشرات حدوث ذلك عديدة نشهدها بشكل جلي يومياً في سوريا وفي لبنان اللتين قد تكونا فقط الشرارة التي لا يستطيع أحد الجزم بإمكانية احتوائها!! فهل تستطيع القمة استباق العمل على تجنب ذلك والتصدي له في مهده؟ كان ذلك بنظري هو السؤال الكبير أمام القادة.
وأعتقد من خلال متابعتي للقمة بأن هذا الهاجس كان حاضراً فيها، وهو ولا ريب، ما دعا خادم الحرمين الشريفين لعقدها وهو أيضاً ما جعله يحرص على توجيه الدعوة للرئيس الإيراني، فإيران بتدخلاتها ومواقفها وتغلغلها في الشأن الداخلي للدول الأخرى هي أحد أهم أسباب الاحتقان الطائفي الموجود في العالمين العربي والإسلامي، إذ إن الطوائف المختلفة كانت موجودة لمئات السنين، وقد تعايش الناس واعتادوا وجود تلك الاختلافات إلى أن أطلت علينا الأطماع الإيرانية مع ثورة الخميني، وفكر نشر تبعية ولاية الفقيه، فأصبح أتباعها محاطين بعلامات استفهام عديدة في دولهم، وخلق ذلك أرضية وشرارة التعصب الطائفي التي امتدت فوصلت إلى ما نحن عليه اليوم، والغريب أن الأسبوع الماضي لم ينقضِ حتى عاجلتنا أحداث لبنان، وعمليات الخطف التي قامت بها عشائر تدين بالتبعية إلى «حزب الله»، وبالتالي لانحتاج للكثير من الفطنة لنعلم أن ذلك الخيط لو تابعناه سيوصلنا بلاشك الى أيادٍ إيرانية تحركه وتتحكم فيه!!
وإذا ما عدنا للقمة الاستثنائية وتمعنا في توصياتها وقد بلغت 37 توصية، سنجد أن أول توصيتين تناولتا بشكل مباشر محاولة التصدي لحالة الفرقة ودعوة الدول الأعضاء لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجنب إذكاء الفتن والنعرات بين الطوائف الإسلامية، وأن تسعى الدول إلى أن يكون دورها إصلاح ذات البين، والسعي إلى وحدة الشعوب والوحدة الوطنية والمساواة بين أبناء الأمة الواحدة بدلاً من أن يكون مدعاة للفرقة والتناحر، حيث أكدت التوصية الأولى على نبذ كل أسباب الفرقة، والشقاق السياسي، والفتنة الطائفية، والتشرذم بين أبناء الأمة الواحدة، والالتزام بالمصداقية في العمل الإسلامي المشترك، في حين أشارت ثاني التوصيات الى أن الإعلام يتحمل عبئاً كبيراً في تحقيق غايات التضامن الإسلامي وتعزيز الأسس والمبادئ المسؤولة!!
لقد لخصت هاتان التوصيتان واقع الحال والمطلوب في المرحلة المقبلة، والتحدي الأكبر أمام الأمة الإسلامية، إذا ما أرادت الحفاظ على ما تبقى لها من مقومات وحدة وتماسك، ولعل الإشارة إلى الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام إشاره واقعية وصادقة تماماً، فالإعلام بمختلف توجهاته ساهم إلى حد كبير في إذكاء روح الفرقة وبث النعرات الطائفية، بدأتها قنوات ذات أجندات كالعالم وماشابهها، ثم خرجت في مقابلها قنوات أرادت أن تتصدى لتلك الهجمات الإعلامية، فلعبت مع الأسف دورا مشابها في سياق اندفاعها للدفاع عن دولها، وماترى فيه الحق والواجب، غير أنه كان من الممكن أن تؤدي هذه المسؤولية بمزيد من الاتزان، فتلعب دور الوسيط الصالح بين أبناء الطوائف المختلفة، وتضيف إضاءات لحالة العتمة والغياب تلك، بدلاً من أن تضيف سجالاً للسجال القائم!!
وإذا ما توافقنا أن الدول وحدها بمؤسساتها الرسمية لن تكون قادرة على التصدي لهذا الشرخ الطائفي وحالة الفرقه الحاصلة، وأن المسألة تحتاج لتوحيد كل الجهود، نعي تماماً أنه بات على نخب المجتمع في مختلف المجالات أن تقوم بدورها الديني والوطني والتاريخي، بدلاً من أن تنساق وراء الناس والجموع وردات الفعل العاطفية، أو تبحث لها عن مكاسب شخصية من وراء كل تلك الأحداث القائمة، فحين يستجدي المشايخ والعلماء والمثقفون والرموز وقادة الفكر والرأي والعمل السياسي رضا العامة بخطابات شعبوية، أو رضا الحكام والمسؤولين بخطابات متملقة، تضيع الأمانة وتضيع الدول ويضيع الناس، لذلك فإن دورهم اليوم كبير ومهم ومفصلي في السعي إلى تحقيق اجتماع الأمة الإسلامية ووحدة كلمتها التي هي سر قوتها مصداقاً لقوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، وهو ما ننتظره ونأمله منهم وإن تأخر الوقت، فإن تأتي متأخرة خير من أن لا تأتي. وكما إن للنخب دوراً فإن لعامة الناس دوراً أيضاً يستطيعون القيام به في البيوت والمدارس والتجمعات الاجتماعية والأسرية، وفي كل مكان يمكن أن نقول فيه كلمة جامعه نحسبها لوجه الله والوطن، فلا أحد مستفيداً من حالة الفرقة هذه، وحينما تصبح الطائفة بديلاً عن الأوطان، تضيع الأوطان ويختلط الحق بالباطل، ويعلو سهم المتطرفين والمتعصبين والمصطادين في الماء العكر.
{{ article.visit_count }}
وأعتقد من خلال متابعتي للقمة بأن هذا الهاجس كان حاضراً فيها، وهو ولا ريب، ما دعا خادم الحرمين الشريفين لعقدها وهو أيضاً ما جعله يحرص على توجيه الدعوة للرئيس الإيراني، فإيران بتدخلاتها ومواقفها وتغلغلها في الشأن الداخلي للدول الأخرى هي أحد أهم أسباب الاحتقان الطائفي الموجود في العالمين العربي والإسلامي، إذ إن الطوائف المختلفة كانت موجودة لمئات السنين، وقد تعايش الناس واعتادوا وجود تلك الاختلافات إلى أن أطلت علينا الأطماع الإيرانية مع ثورة الخميني، وفكر نشر تبعية ولاية الفقيه، فأصبح أتباعها محاطين بعلامات استفهام عديدة في دولهم، وخلق ذلك أرضية وشرارة التعصب الطائفي التي امتدت فوصلت إلى ما نحن عليه اليوم، والغريب أن الأسبوع الماضي لم ينقضِ حتى عاجلتنا أحداث لبنان، وعمليات الخطف التي قامت بها عشائر تدين بالتبعية إلى «حزب الله»، وبالتالي لانحتاج للكثير من الفطنة لنعلم أن ذلك الخيط لو تابعناه سيوصلنا بلاشك الى أيادٍ إيرانية تحركه وتتحكم فيه!!
وإذا ما عدنا للقمة الاستثنائية وتمعنا في توصياتها وقد بلغت 37 توصية، سنجد أن أول توصيتين تناولتا بشكل مباشر محاولة التصدي لحالة الفرقة ودعوة الدول الأعضاء لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجنب إذكاء الفتن والنعرات بين الطوائف الإسلامية، وأن تسعى الدول إلى أن يكون دورها إصلاح ذات البين، والسعي إلى وحدة الشعوب والوحدة الوطنية والمساواة بين أبناء الأمة الواحدة بدلاً من أن يكون مدعاة للفرقة والتناحر، حيث أكدت التوصية الأولى على نبذ كل أسباب الفرقة، والشقاق السياسي، والفتنة الطائفية، والتشرذم بين أبناء الأمة الواحدة، والالتزام بالمصداقية في العمل الإسلامي المشترك، في حين أشارت ثاني التوصيات الى أن الإعلام يتحمل عبئاً كبيراً في تحقيق غايات التضامن الإسلامي وتعزيز الأسس والمبادئ المسؤولة!!
لقد لخصت هاتان التوصيتان واقع الحال والمطلوب في المرحلة المقبلة، والتحدي الأكبر أمام الأمة الإسلامية، إذا ما أرادت الحفاظ على ما تبقى لها من مقومات وحدة وتماسك، ولعل الإشارة إلى الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام إشاره واقعية وصادقة تماماً، فالإعلام بمختلف توجهاته ساهم إلى حد كبير في إذكاء روح الفرقة وبث النعرات الطائفية، بدأتها قنوات ذات أجندات كالعالم وماشابهها، ثم خرجت في مقابلها قنوات أرادت أن تتصدى لتلك الهجمات الإعلامية، فلعبت مع الأسف دورا مشابها في سياق اندفاعها للدفاع عن دولها، وماترى فيه الحق والواجب، غير أنه كان من الممكن أن تؤدي هذه المسؤولية بمزيد من الاتزان، فتلعب دور الوسيط الصالح بين أبناء الطوائف المختلفة، وتضيف إضاءات لحالة العتمة والغياب تلك، بدلاً من أن تضيف سجالاً للسجال القائم!!
وإذا ما توافقنا أن الدول وحدها بمؤسساتها الرسمية لن تكون قادرة على التصدي لهذا الشرخ الطائفي وحالة الفرقه الحاصلة، وأن المسألة تحتاج لتوحيد كل الجهود، نعي تماماً أنه بات على نخب المجتمع في مختلف المجالات أن تقوم بدورها الديني والوطني والتاريخي، بدلاً من أن تنساق وراء الناس والجموع وردات الفعل العاطفية، أو تبحث لها عن مكاسب شخصية من وراء كل تلك الأحداث القائمة، فحين يستجدي المشايخ والعلماء والمثقفون والرموز وقادة الفكر والرأي والعمل السياسي رضا العامة بخطابات شعبوية، أو رضا الحكام والمسؤولين بخطابات متملقة، تضيع الأمانة وتضيع الدول ويضيع الناس، لذلك فإن دورهم اليوم كبير ومهم ومفصلي في السعي إلى تحقيق اجتماع الأمة الإسلامية ووحدة كلمتها التي هي سر قوتها مصداقاً لقوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، وهو ما ننتظره ونأمله منهم وإن تأخر الوقت، فإن تأتي متأخرة خير من أن لا تأتي. وكما إن للنخب دوراً فإن لعامة الناس دوراً أيضاً يستطيعون القيام به في البيوت والمدارس والتجمعات الاجتماعية والأسرية، وفي كل مكان يمكن أن نقول فيه كلمة جامعه نحسبها لوجه الله والوطن، فلا أحد مستفيداً من حالة الفرقة هذه، وحينما تصبح الطائفة بديلاً عن الأوطان، تضيع الأوطان ويختلط الحق بالباطل، ويعلو سهم المتطرفين والمتعصبين والمصطادين في الماء العكر.