ربما ليس من مواطن بحريني يريد أن تبقى الأمور متوترة محلياً بعد أن مر عام ونيف على أكبر أزمة مرت على البحرين، والأزمة كلمة فضفاضة، أجد أن من الأجدر أن نسميها باسمها، وهي محاولة الانقلاب على الحكم. لا يوجد بحريني يريد لبلاده أن تبقى مشحونة متوترة، مع تسليمنا أن الأمور أكثر هدوءاً من ذي قبل، إلا أن هناك أيضاً ناراً تحت الرماد، قد تشتعل مع هبة رياح قوية، بينما سواد كبير من المواطنين لم يكن له لا ناقة ولا جمل في الأزمة، ولم يضع يده في وقودها، إلا أنه يكتوي بإرهاب الشارع، ويقال له اليوم تعال أنت لتتنازل عن أمور بعينها حتى يتوقف الإرهاب، أو حتى تمنحك قوى سياسية الأمان..! درج على مسامعنا كلمة (حل الأزمة) أو (حل سياسي) والكلمات لا اعتراض عليها، لكن من الذي أوجد الأزمة؟ من الذي أدخلنا في الأزمة؟ لماذا أنا كمواطن أسدد فاتورة غيري، ويقال لي أنت اليوم عليك أن تتنازل حتى يرضى من افتعل الأزمة ويتكرم عليك ويمنحك الأمان في الشارع؟ جميعنا نريد الخير للبحرين (هكذا يفترض) لكن هناك سواد كبير اليوم يضيع في الرجلين، بين غزل الحوار الحاصل بين أطراف كثيرة، هذا السواد يراد له أن يغيب رأيه لأنه لا يحمل زجاجة مولوتوف، ولا يقطع الطرقات، ولا يملك طلقات أسهم قاتلة من طفايات الحريق، ومن ثم إذا ما تم توجيه الحديث إليه يقال له عليك اليوم أن تتنازل حتى ترضى عنك قوى الإرهاب، وتتكرم عليك بإيقاف الإرهاب. الحديث أن لا أحد يتم تجاهله كمكون أو قوى سياسية مرخصة على طاولة الحوار حديث طيب، لكن لماذا يأتي أناس ومعهم فزاعة الإرهاب والقتل وقطع الطرقات، ويتحدث بأن إما أن تعطوني ما أريد، وإما أن أشعل البلد، بينما القوى الأخرى تأتي مسالمة، ولا تهدد بالإرهاب والقتل، الكفتان ليستا في تساوٍ. إذا ما تم الحوار (كفرضية) ولم يتم التوافق على ما تطرحه الوفاق من شروط مسبقة وهي حكومة منتخبة (أو كما قال علي سلمان في أحد المجالس الرمضانية من أنه يريد حكومة إنسانية) فإن لم يتم التوافق على هذا الأمر من المتحاورين، فماذا عن العنف؟ هل سوف نعود إلى الحرق والقتل؟ وهل سوف تأتي الدعوة للحوار أصلاً تحت ما نراه كل يوم من حرق وإرهاب؟ إذا ما توقف الإرهاب من بعد الحوار (كفرضية) أليس هذا اعترافاً صريحاً من الوفاق بأنها هي من ترعاه وتدعمه وتموله؟ وإذا لم يتوقف الإرهاب فلماذا نتحاور مع الوفاق وهي لا تمثل الشارع، ونتحاور و(الأزمة) متواصلة، فبماذا سوف نخرج من الحوار؟ هل فقط إعلان الوفاق عودتها إلى الانتخابات هو المطلب؟ أخطر ما في الموضوع هو أن نتحاور تحت تهديد الإرهاب، وأن يكون وقف الإرهاب هو بمقابل من الدولة وقوى المجتمع للحصول على مكاسب فئوية أو طائفية أو ما يقال عنه قوانين تعجل سقوط الدولة في الانقلاب القادم. المرزوق يهدد الدولة والبحرين وأهلها بعد شهر رمضان بشيء مفاجئ، وربما هو أيضاً أحد التصريحات التي تضغط من أجل الحوار، ومن أجل الإذعان لمطالبنا وإلا حرقنا البلد، كل ذلك يأتي وسط تصريحات متبادلة، حتى إن الشيخ عبداللطيف المحمود قال إن لا حوار قبل وقف الإرهاب بالإضافة إلى كل المحاور التي وضعها التجمع حتى يبدأ الحوار. من كل ذلك خرجنا بدوامة تصريحات، إما غزل، وإما تهديد، وإما وضع أرضية للحوار كما يريد سلمان، الخروج من الأزمة كلمة كبيرة، لكن أهل البحرين لا يرون أن هناك أزمة غير أزمة الإرهاب، وإلا فإن البرلمان موجود، والتعديلات الدستورية حصلت، ومؤسسات المجتمع المدني موجودة وتمارس عملها، وحرية الصحافة موجودة، وجمعيات حقوق الإنسان موجودة مع وجود الوزارة، وكل الحريات السياسية متاحة. السؤال ربما الأكثر وجاهة هنا، إن تم الحوار ولم يتم التوافق على ما تطرحه الوفاق، فهل الحل في الإرهاب الذي تتبناه الجمعية؟ وهل يعني أن سيادة القانون مجرد كلام، ولا يتم اجتثاث الإرهاب من أصوله حتى لا يلوح به أحد ويبقى فوق القانون؟ وهل سيبقى أهل البحرين في رواحهم وغدوهم عرضة للإرهاب؟ سياسة الوفاق إما أن تعطوني ما أريد أو أحرق البلد، هذه السياسة تجعل أناساً كثيرين يفكرون في أن الحل لتحقيق المطالب هو (نهج الوفاق) احرق واقتل يستجاب لك، فإن كرست هذه السياسة الدولة وسمحت بها بعد أن سمحت بها في التسعينيات، فإن الإرهاب لن يتوقف إلا فترة وجيزة وسيعود بمطالب أخرى كما طرح إبان الأزمة دستور جديد. السفير البريطاني قال أمس الأول إن طريق العنف مسدود في البحرين، وهذا كلام عقلاني وتصريح مسؤول جداً من السيد السفير، لكن هل السفير يقول ذلك لمن يجتمع معهم من الوفاقيين؟ تبقى الوفاق تلعب لعبة سمجة واسمحوا لي أن أقول قذرة، فالإرهاب قذر، وقتل الناس في الشوارع عمل قذر، واستهداف الآمنين والمسالمين قذر، لا أستطيع تجميله. اللعبة هي ناجحة تماماً، الإرهاب يوضع على طاولة الحوار للتلويح به أولاً، ومن ثم كأحد قضايا المساومة، والمقايضة، بمعنى أعطيكم الأمان، تعطوني إملاءاتي عليكم جميعاً.. وإلا ....!!