بدأت بعض القوى السياسية الحديث عن آليات تقود لـ«طي ملف الأزمة”، في وقت تخرج فيه تصريحات من شخصيات رسمية بشكل دوري تفيد بأن “الأزمة انتهت بالفعل”. مقابل ذلك يقف الشارع في حيرة، منقسماً بين من مازالوا ينتظرون إجراءات منطقية من قبل الدولة في اتجاه تطبيق القانون بحق كثير من التجاوزات، وبين من بدؤوا يستوعبون بأن ما أسمي بـ«الثورة” التي اقتيدوا لها لم تكن إلا “ورقة رهان” لعبتها قوى معينة لتحقيق مكاسب محددة، وحينما أدركت هذه القوى أن طريقها مسدود عادت لتغير خطابها وتنفي تصرفاتها وتبدي استعدادها للحوار غير المشروط. لن ننسى الفئة المؤزمة التي مازالت تغذى من قبل المتشددين الذين غالبيتهم يمارسون التحريض من الخارج، والذين لا يهمهم إن حرقت البحرين عن بكرة أبيها، بشعبها وقيادتها ومعارضتها ومواليها. الحديث عن إنهاء الأزمة يتردد على عدة ألسنة، الأطراف المخلصة تريد إعادة البحرين لما كانت عليه قبل افتعال مخطط الانقلاب، خاصة وأن الأجواء المجتمعية مازالت “مكهربة” والانقسام الطائفي بان واضحاً جداً. الأطراف المؤزمة تريد استعادة مكاسبها التي تخلت عنها لأجل ركوب الموجة والاستئثار بأصوات الناس، تريد العودة للمشاركة في صناعة القرار ودخول البرلمان، لكن في نفس الوقت تريد إيهام الناس بأنها مازالت معهم، إدراكاً بأن اللعب في الناس خاصة بـ«الكذب” يقود لنتائج وخيمة. حينما يقول رئيس جمعية الوحدة الوطنية الشيخ عبداللطيف المحمود بأن “الطريق إلى طي ملف الأزمة، يبدأ بإيقاف جميع أشكال التخريب والإرهاب في الشارع، وإدانة العنف من قبل المعارضة”، فإن قوله يتضمن تحديداً لأمور لا يراها سواد كبير من الشعب البحريني المخلص ذات أولوية قصوى أمام أمور هي المفترض أن تكون بداية الطريق الصحيح لطي ملف الأزمة. نختلف في ترتيب الأولويات، في حين نتفق مع الشيخ المحمود في شأن المبادئ التي حددها في أحد عشر نقطة، مع بيان أن النقاط التي تتحدث عن تطبيق القانون وألا يكون الحوار على حساب الوطن والمواطنين أو على حساب الأمن هي التي يفترض أن تكون في المقدمة، لا تلك التي تتحدث عن وقف الإرهاب وإدانة المعارضة للعنف. هناك حقائق أشك بأنه يوجد أحد لا يدركها على رأسها أن الأطراف المؤزمة لن تتحرك لوقف الإرهاب، لأنها أصلاً غير قادرة اليوم على ضبط الشارع الذي صنعت منه مسخاً وحولت المولوتوف في أيادي الشباب إلى هواية ولعبة، بل هي تدرك تماماً بأن المولوتوف نفسه سيستهدفها إن هي فقط أدانته وبدأت تتحدث بخطاب يختلف عن خطابها الثوري، هي اليوم تحاول فقط تغيير “التون” في الكلام فإذا بالتسقيط يطالها وأمينها العام. اليوم بتنا نقرأ من هؤلاء الشباب الذين تم تحويلهم لوقود محرقة كلاماً يوجه لعلي سلمان وجمعيته وأتباعها يسألهم عمن نصبهم متحدثين بأسمائهم، ويشن هجوماً عليهم فقط لأنهم غيروا جملة “إسقاط النظام” إلى “إصلاح النظام”. لا أحد من القوى السياسية في موضع لتقديم شروط والضغط على الدولة لتطبيقها حتى نبدأ أي حوار بأي شكل أو صيغة، لا أحد -بعد الذي عاناه الناس- يفترض به الحديث وبطريقة “فلسفية” عن كيف تنتهي الأزمة بمعزل عن الناس أنفسهم الذين تضرروا وعانوا. طي ملف الأزمة لا يبدأ إلا عبر اتخاذ الدولة للتدابير المنطقية التي تتخذ في أي دولة تمتلك قانوناً وتتعرض لمحاولة انقلاب ويتم شل مرافقها والتعدي على أمنها وتهديد استقرارها. طي ملف الأزمة يكون بإحقاق الحق دون مواربة، يكون بتطبيق القانون على من انتهك القانون وارتكب جرائم مجرمة ولها عقوباتها. طي ملف الأزمة لا يكون بكلام لسان معوج، يدين الإرهاب أو يغير الكلمات والجمل، أبداً لن يكون طي ملف الأزمة بـ«عفا الله عما سلف”. إن كنتم بالفعل تريدون طي ملف الأزمة، على المخطئ أن يعترف بخطئه ويقبل بأن يجازى ويحاسب بحسب القانون، على القانون أن يحترم، وعلى الدولة أن تحترم الناس من خلال تطبيقه، وعلى القوى السياسية قبل أن تتحدث بما تريد قياداتها أن تستوعب ما يريده الناس وأن تتحدث باسمهم. ما يفيد الناس اعتراف المجرم بجريمته بالكلام، وبعدها يظل بمنأى عن العقاب، وإثر ذلك يجبر الناس على التعامل معه من جديد؟!