يوصف الأخضر الإبراهيمي بالدبلوماسي المخضرم، وقد كلف بمهمة تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة عام 2004، وعمل على استطلاع رأي عدد من الشخصيات السياسية هناك، بعضهم كان محسوباً على المقاومة، أو انضم إليها في وقت لاحق. وخلال مداولات استمرت عدة ساعات - وكنت أحد المشاركين - لم ألمس ما يدل على هذه الصفة، التي غالباً ما تطلق بين شخصيات سياسية شغلت وظائف دبلوماسية، خصوصاً في الأمم المتحدة. كان مستمعاً جيداً، إلا أنه لم يكن محاوراً طليقاً، ولم تكن معلوماته عن العراق وافية كما ينبغي لدى مبعوث أممي. لذلك، جاءت اختيارات الوزراء قاصرة من ناحية الكفاءة والنزاهة، التي يفترض أن تتسم بها الحكومة الأولى. ويبدو أنه خضع للمطالب الأمريكية.
وبعد تكليفه بالمهمة الشاقة في سوريا، واجه منذ البداية احتجاج المعارضة على تصريح نسب إليه بمعارضته تنحي الأسد، كما اعترض نظام بشار على وصفه لما يجري بالحرب الأهلية. وبينما نفى ما نقل عنه حول مسألة التنحي، فإن وصفه للحرب لم يكن قابلاً للتراجع أو التأويل، وهو ما سيضع النظام في حالة شك كبير في نياته، وستبرز نظرية المؤامرة بقوة. وللإنصاف، فإن المعطيات الراهنة قاسية ومعقدة بما يكفي لرسم معالم الفشل مسبقاً.
منذ الساعات الأولى لتعيين كوفي عنان ممثلاً للأمم المتحدة والجامعة العربية، توقعنا له الفشل، كما فشل في مهمات سابقة في العراق أيضاً. لأن النقاط الست المحددة ليست قابلة للتنفيذ من قبل النظام السوري، وتنفيذها سيؤدي إلى سقوط محتم. وهو ما جوبه باعتراض من يسمون بالحرس القديم، ممن تورطوا في مذبحة حماه، وجرائم التغييب القسري، ومذبحة سجن تدمر، وغيرها من مآسي الشعب السوري. وفي بداية مهمة عنان، لم تكتسب جرائم النظام ثوباً إجرامياً كما هي عليه الآن. فعدد اللاجئين كان محدوداً، وأعداد القتلى ليست بهذه الأرقام المخيفة. كما إن تشكيلات الجيش الحر لم تبلغ وقتئذ القوة التي يحسب لها حساب كما هي الآن.
النقاط الست بقيت كما هي، والجيش الحر أصبح قوة ضاربة تتزايد كل يوم، وتدمير المدن تخطى كل ما قبله منذ الحرب العالمية الثانية، والتدخلات الإقليمية أخذت بعداً مؤثراً في معادلات الصراع، والاستخدام الميداني للقوات تجاوز حدود قواعد الاشتباك المقبولة، خصوصاً ما يتعلق بالاستخدام السافر للقوة الجوية الهجومية، ونيران المدفعية. ونجحت وسائل الإعلام بفضل وسائل الاتصال الحديثة وما قدمته أجهزة الاستخبارات، في تقديم صور دقيقة حية للجرائم الفظيعة التي ارتكبها النظام. وهذه كلها تجعل موافقة بشار على القبول بعملية انتقال سلمي للسلطة أكثر صعوبة من أي وقت سابق.
لكن مهمة الإبراهيمي ستتسم بالحسم سياسياً، وربما توصف بحبل نجاة لبشار للمغادرة إلى إيران أو إلى دولة أخرى غير عربية تقبل به. إلا أن فرص تحقق هذا الاحتمال تعتبر ضئيلة للغاية. فهو لا يزال مهووساً باستخدام القوة، ويعتقد أنه قادر على تشكيل دولة الساحل كأسوأ الاحتمالات. وهذا من الخيارات الإيرانية البديلة أيضاً، دون إدراك لاستحالة قبول سوريا الأم بالتفريط بالإطلالة البحرية. ومن المرجح أن تقيد مهمة الإبراهيمي بفترة زمنية محدودة، لأن الكشف اليومي عن الجرائم لم يعد يسمح بالمزيد من المماطلات، وهناك طبخات على نار ساخنة لفرض مناطق حظر جوي شمال سوريا لوقف تدفق اللاجئين. وكلما تعقدت المهمة ازدادت احتمالات التعجيل في التدخل الجوي والصاروخي، أو على الأقل تسريع تزويد الجيش الحر بصواريخ كتف مضادة للطائرات، وتكثيف أسلحة مقاومة الدبابات، وإنهاء تكرار مهزلة نفاد الذخيرة لدى المقاتلين.
ومن المرجح أن يعمل الثوار على تكثيف ضغوطهم لعدم منح بشار المزيد من الوقت. فقد أصبحت لهم مهارة عالية في تحريك المجتمع الدولي، وتوفير ظروف عقد اجتماعات طارئة لمجلس الأمن. مما يجعل مهمة الإبراهيمي مضغوطة بقوة، لا سيما أنه شخص مشكوك فيه ثورياً.
ووفقاً للمعطيات والعوامل التي أشرنا إليها، فإن الميدان والنيات السيئة للنظام، ستزيد احتمالات الفشل السياسي، وليس لأن الإبراهيمي أداة بيد الصقور العربية المؤيدة للثورة، كما يحاول البعض الترويج له. ولهذه الأسباب يرجح أن يختم خدمته بالفشل.
? عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية