إضعاف قوة الدولة هدف سعت له الجماعات الانقلابية منذ عقود، ومازالت تحاول أن تصل لهذا الهدف عبر ممارساتها المتغيرة حسب الزمان والمكان، باعتبار أن دولة بلا قوة وبلا ثبات هي دولة “آيلة للسقوط” في أي لحظة، فقط تحتاج لضربة قوية حتى تهتز.
لكن الأمر الذي حفظ الله به هذا البلد هو وجود قيادة “ثابتة” في مواقفها ترفض الابتزاز تؤازرها الفئات المخلصة لهذا الوطن التي بدورها ترفض بيعه للخارج أو تساوم على ترابه.
في الأزمة التي عصفت بالبحرين عرف الكثيرون قدر الرجال في المواقف، بشأن “الثبات” عرفنا تماماً كيف يكون الثبات من رجل كان ومازال وسيظل ثابتاً في مواقفه وخطاباته وتحركاته، لا يقبل بالمساومة على البحرين، ولا يقبل بأن يتم أي شيء من تفاهمات وصفقات وغيرها بحيث يكون على حساب المخلصين.
في زيارته الأخيرة للمحرق قدم الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله رئيس وزرائنا درساً جديداً للمخلصين، حينما أكد على ثبات الموقف للبحرين وعدم رضوخها لأي صورة من صورالابتزاز الممارس من قبل الجماعات التي تتخذ العنف والإرهاب وسيلة لفرض إرادتها وأجندتها الخاصة على شعب البحرين.
ليس الموقف الوطني الصلب الأول من هذا الرجل، ولن يكون الأخير، وفي الشدائد تعرف الرجال، وحجر الزاوية في الأزمة التي عصفت بالبحرين كان خليفة بن سلمان بثباته وقوته وثقته بالله وشعبه، وعليه لِمَ الاستغراب حينما يحب الناس هذا الرجل ويهبون للدفاع عنه مقابل أي مسيء.
المقصد هنا ليس الحديث عن خليفة بن سلمان الذي تحتاج سيرته ومنجزاته وأفعاله والتقدير الدولي الذي حظي به إلى كتب مطولة ستخلد في التاريخ، بقدر ما هو الحديث عن مبدأ مهم لا يفترض أن يحيد عنه أي صاحب قضية، بالأخص إن كانت قضيته عادلة، ونعني به “الثبات”.
مهما كانت الظروف قاسية، ومهما كانت الملمات متعبة، ومهما كانت الأمور معقدة، يبقى “الثبات” هو دليل الحر، وهو القوة لصاحب الحق.
من يريد المساومة اليوم على البحرين ويتنازل عن ثبات الموقف في الحق، فهو قبل أن يرتكب جريمة لا تغتفر بحق شعب مخلص وفي وقف ليدافع عن تراب أرضه وعروبتها وعن قادتها، فهو يرتكب جريمة بحق نفسه، إن ظن بأن الخناجر تتحول إلى سكاكين، وإن ظن بأن الخائن يمكن أن يتحول أميناً، وإن ظن أنه بالتنازل عن الحق سينجح في احتواء المواقف المتأزمة وإعادة الأمور لما كانت عليه.
ما جعل الانقلابيين يهلوسون، ويصلون لطرق كل باب، ويدعون الأجنبي ليدخل البحرين ليفعل فيها ما يشاء، بل أوصلهم لتمثيل المسرحيات في الشوارع الأوروبية ولم الناس حولهم بالصراخ والعويل، وما جعلهم يناشدون ويترجون ويتذللون لأي دكان من دكاكين حقوق الإنسان ولأي نظام مهما كان، هو الثبات في الموقف، هو مجرد قول الدولة بأنه لا استهانة بتطبيق القانون ولا تجاوز له ولا قبول بأية شروط.
حتى الآن تمضي البحرين بقوة في التأكيد على حقيقة ما حصل لها على يد فئات أرادت اختطاف البلد سياسياً مستغلة هموم الناس وجراحاتهم، ونجحت البحرين بشكل واضح من خلال الإجراءات التي تمت بحيث تغيرت الصورة في الخارج وعرف الكثيرون الحقيقة، وبدأت التساؤلات تتغير اتجاهاتها من التركيز على رد فعل الدولة إلى بحث دوافع وأهداف المتسببين بالفعل.
وعليه فإن الثبات على الحق مهم اليوم، التنازل والقبول بتعطيل القانون بحق من تجاوزه لا يعد من الثبات، بل هو استهانة وهوان لن يأتي إلا بنتائج معاكسة.
تحتاج الدولة إلى تعزيز ثباتها على الحق، تحتاج أن تقول بوضوح أن سفينة البحرين ماضية بشعبها المخلص، وتتحرك وفق قوانينها ودستورها وبالشورى والإجماع الشعبي، من أراد إغراقها أو اقتطاع جزء منها لا يفترض السكوت عنه والقبول بغوغائه، بل التعامل معه بثبات وحزم دون لين أو تهاون.
الثبات على الحق يا جماعة، إذ صدق من قال: “لا تترك الحق لأنك متى تركت الحق فأنت لا تتركه إلا للباطل”.