هذا تعبير جميل لشاعر بدوي معناه أن كلامك “ماصخ” حيث “الماصخ” لا يحلّي، وهو للأسف ينطبق اليوم على كلام كثيرين ممن يحاولون تبرير بعض السلوكيات الخاطئة بل التي تشكل خطراً على الناس وتعطل الحياة. من ذلك على سبيل المثال قول أحد المحسوبين على “المعارضة” ممن يقيمون في الخارج إن “إشعال النار في إطارات السيارات وحجز الشوارع وإرباك مستخدميها لا يعد عنفاً بل أنه أمر مشروع وتعبير سلمي من حق المعارضين اعتماده”.
ليس معروفاً بالطبع من الذي قرر أن هذا الفعل يدخل ضمن الاحتجاجات السلمية، ولكن أي عاقل لا يجد مفراً من قول عكس ذلك، فما يشكل خطراً على الناس وقد يودي بحياة أبرياء لا علاقة لهم بما يحدث لا يمكن أن يعتبر عملاً سلمياً، لأنه عنيف من ألفه إلى يائه.
قبل أيام جاءني من يخبرني أن فلاناً احترقت سيارته التي اشتراها قبل فترة وجيزة وكان فرحاً بها، فسألت عن السبب فقيل لي إن البعض أشعل النار في حاوية قمامة كانت قريبة من مكان ركن سيارته فانتقلت النار إليها واحترقت.
وقبل أيام أيضاً شاهدت على مواقع التواصل الاجتماعي عدداً من الأفلام التي يتباهى ناشروها وأبطالها بها، من ذلك على سبيل المثال فيلماً عن حجز شارع حيوي في العاصمة المنامة، حيث يبين الفيلم كيف اقتحم أولئك نصف الشارع، ووضعوا على الأرض مادة لا أعرف ماهي، ووضعوا الإطارات، وصبوا عليها البنزين، ثم رموا قنابل المولوتوف، فاشتعلت النيران، وكادت تصل إلى السيارات التي كانت متوقفة في الجانب الآخر من الشارع تنتظر الإشارة الضوئية.
فيلم آخر يبين مجموعة من أولئك الممارسين لهذا السلوك يحجزون في الصباح الباكر شارعاً في سترة ويفعلون الفعل نفسه، من دون أي اعتبار لسيارة كانت متوقفة على الرصيف حيث لم يفصل بينها وبين النار التي أشعلوها سوى شعرات.
أيعقل أن يكون هذا السلوك المعرض لحياة الناس الأبرياء للخطر سلمياً ومشروعاً وبعيداً عن العنف؟ أيعقل أن يعتبر أناس يقدمون أنفسهم كقياديين هذه السلوكيات سلمية وغير عنفية؟ الغريب أن هؤلاء يعتبرون كل الأفعال التي تمارس اليوم في “الميدان” وتعرض حياة الناس للخطر، وتقلق راحتهم أفعالاً مشروعة وسلمية، ولا علاقة لها بالعنف، فتفجير أسطوانات الغاز سلمي ومشروع، وإلقاء قنابل المولوتوف على رجال الأمن، وفي شوارع مليئة بالسيارات سلمي ومشروع، وحرق الإطارات في الشوارع التي يتم حجزها بل اغتصابها سلمي ومشروع، وبالتأكيد يعتبر أولئك إلقاء قنابل المولوتوف على حفيدة أحد مشايخ الدين التي فوجئت بالبعض يحتجز الشارع ليشعل النار في إطارات السيارات في شارع سريع، فارتبكت ولم تعرف كيف تتصرف فتجاوزت الخط الذي قرروا عدم تجاوزه، يعتبرون ذلك سلوكاً سلمياً وغير عنيف.. ومشروعاً!.
كثيرون تضرروا من تلك السلوكيات غير المسؤولة، وكثيرون ارتبكوا، وكثيرون تعطلوا، وتأخروا عن الوصول إلى حيث أرادوا، سواء كان مدرسة أو جامعة أو مستشفى، ومع هذا يأتي من يقول إن هذه السلوكيات مشروعة وسلمية ولا تعتبر عنيفة.
إن كلام هؤلاء ليس فقط “ما يحلّي” ولكنه “أمصخ” من “الماصخ”، ولا بد من الرد عليه بقوة ومنع الاستمرار في تلك السلوكيات بتشديد العقوبة على المتورطين فيها من دون أي اعتبار لما قد يقوله الآخرون ممن يعتبرون أن حقوق الإنسان لطرف دون طرف، حيث الصحيح هو أنه كما أن لهذا الطرف حقوقاً ينبغي مراعاتها فإن لمستخدمي الشارع أيضاً حقوقاً ينبغي مراعاتها.
مسؤولية حماية مستخدمي الشارع تقع على الحكومة التي ينبغي عليها أن تحكم الشوارع وأن تتعامل بحزم مع أولئك المعتدين عليها.. على الأقل كي لا يصير سكّرها مثل سكّرهم.. ما يحلّي!.