أتصوّر أن مجتمعنا البحريني في أمسّ الحاجة في هذه الأيام العصيبة إلى إعلاء صوت العقل والحكمة، وسيادة نبرة الاعتدال في الخطاب السياسي القائم. وحتى لا تختلط الألفاظ، ويقوم البعض بتأويلها تأويلاً اعتباطياً أو مغلوطاً، نسارع بالقول بأن النبرة المعتدلة التي نطالب بتبنِّيها أساساً للحوار بين الفرقاء، ودعمها، وتوسيع رقعة مؤيِّديها أو أولئك المقتنعين مبدئياً بصحتها، هي تلك التي تجْمَعْ ولا تُفرِّق، وتبني ولا تهدم، وتصون المنجزات الشعبية والوطنية دون التفريط فيها، وترسِّخ اللحمة الوطنية بين أبناء الطائفتيّن الكريمتيّن دون المساس بمرتكزاتها وتاريخها.
قد يرى البعض فيما قيل أعلاه مجرّد كلام إنشائي بعيد عن الواقع، وجمل مبعثرة لا تجمع بين طيّاتها أفكاراً قابلةً للتطبيق أصلاً، فهي إذن مجرد “أضغاث أحلام” لدى بعض المثقفين والمتفذلكين. ونحن نرّد على هذا الاتهام الشائع الموجّه لذوي الأصوات المعتدلة على وجه الخصوص بالقول بأن جوهر الأزمة القائمة حالياً يكمن في تمسّك كل طرف في النزاع بوجهة نظره، واعتبارها رأياً سديداً لا يأتيه الباطل من خلفه، ولا يحّق لأحد المجادلة فيه أو حتى التشكيك في صحّته، رغم قلة الدلائل التي تشير إلى مصداقيّته أو عجزها على الأقل عن إثباته.
هناك للأسف تصوّر بات سائداً في أوساط أبناء الجيل الصاعد، مفاده أن تاريخ النضال السياسي الوطني بدأ في فبراير من العام الماضي، وأن الموقف “الإيجابي” من تلك الأحداث هو معيار الوطنيّة، بمعنى آخر أن الفرد لن يُعتبر وطنياً على الإطلاق إذا “تجرّأ” على تحليل تلك الأحداث برؤيةٍ موضوعيةٍ ثاقبةٍ، آخذاً في الحسبان مسبِّباتها الاقتصادية والاجتماعية، وتداعياتها الوخيمة على النسيج الاجتماعي، رغم أن هذا التحليل الموضوعي والمنطقي هو ما نحتاجه في هذه اللحظة، وقد بات ديّناً علينا لا نستطيع تأجيل سداده. ولهذا يشعر الناس الذين يتبّنون المواقف المعتدلة بحجم المسؤولية الوطنيّة الملقاة على عاتقهم، وبمدى جسامة العقبات التي تقف في طريقهم، ففريق يتهمهم بالانتهازية، وفريق آخر ينعتهم بالمنتفعين، وهم لا يأبَهون، لأنهم مقتنعون بأننا نبحُرُ في سفينةٍ واحدةٍ، فإما أن نغرق جميعاً بسبب مواقفنا المتشنِّجة، وإما أن نتخذ مواقف وسطيّةً معتدلةً تقود السفينة، والوطن ومكتسباته، إلى برّ الأمان، فما هو خيارنا الأمثل؟!
? أستاذ التربية بجامعة البحرين
{{ article.visit_count }}
قد يرى البعض فيما قيل أعلاه مجرّد كلام إنشائي بعيد عن الواقع، وجمل مبعثرة لا تجمع بين طيّاتها أفكاراً قابلةً للتطبيق أصلاً، فهي إذن مجرد “أضغاث أحلام” لدى بعض المثقفين والمتفذلكين. ونحن نرّد على هذا الاتهام الشائع الموجّه لذوي الأصوات المعتدلة على وجه الخصوص بالقول بأن جوهر الأزمة القائمة حالياً يكمن في تمسّك كل طرف في النزاع بوجهة نظره، واعتبارها رأياً سديداً لا يأتيه الباطل من خلفه، ولا يحّق لأحد المجادلة فيه أو حتى التشكيك في صحّته، رغم قلة الدلائل التي تشير إلى مصداقيّته أو عجزها على الأقل عن إثباته.
هناك للأسف تصوّر بات سائداً في أوساط أبناء الجيل الصاعد، مفاده أن تاريخ النضال السياسي الوطني بدأ في فبراير من العام الماضي، وأن الموقف “الإيجابي” من تلك الأحداث هو معيار الوطنيّة، بمعنى آخر أن الفرد لن يُعتبر وطنياً على الإطلاق إذا “تجرّأ” على تحليل تلك الأحداث برؤيةٍ موضوعيةٍ ثاقبةٍ، آخذاً في الحسبان مسبِّباتها الاقتصادية والاجتماعية، وتداعياتها الوخيمة على النسيج الاجتماعي، رغم أن هذا التحليل الموضوعي والمنطقي هو ما نحتاجه في هذه اللحظة، وقد بات ديّناً علينا لا نستطيع تأجيل سداده. ولهذا يشعر الناس الذين يتبّنون المواقف المعتدلة بحجم المسؤولية الوطنيّة الملقاة على عاتقهم، وبمدى جسامة العقبات التي تقف في طريقهم، ففريق يتهمهم بالانتهازية، وفريق آخر ينعتهم بالمنتفعين، وهم لا يأبَهون، لأنهم مقتنعون بأننا نبحُرُ في سفينةٍ واحدةٍ، فإما أن نغرق جميعاً بسبب مواقفنا المتشنِّجة، وإما أن نتخذ مواقف وسطيّةً معتدلةً تقود السفينة، والوطن ومكتسباته، إلى برّ الأمان، فما هو خيارنا الأمثل؟!
? أستاذ التربية بجامعة البحرين