المتابع للأخبار التي تبثها السوسة “فضائية العالم الإيرانية” عن الأوضاع في سوريا يعتقد أن القصة ستنتهي خلال يومين على الأكثر بانتصار نظام الرئيس السوري بشار الأسد والقضاء على المقاومة السورية والثوار قضاءً مبرماً، و«تطهير” المناطق من مقاتلي الجيش الحر.
فالأخبار عن تقدم قوات النظام السوري لا تتوقف والتقارير الإخبارية لهذه الفضائية كلها تشير إلى تفوقه على “الإرهابيين والمندسين”. ومن يتابع قناتي “الجزيرة” و«العربية” وهي تغطي أخبار الثوار السوريين يعتقد أن القصة ستنتهي بالسرعة نفسها، بانتصار الثورة والقضاء على الأسد ونظامه قضاءً مبرماً، حيث الأخبار تتواصل عن تقدم في مختلف الميادين لهذه القوات.
إعلامان متناقضان يسعى كل منهما إلى إقناع العالم أن الطرف الذي يؤيده هو من ستؤول الأمور إليه، وأن الطرف الآخر هو الذي يرتكب المجازر في حق الإنسانية، وبالتالي فإنه لا يستحق الحياة. ولو تم جمع الأعداد التي يعلن عنها الطرفان المتخاصمان والفضائيات الداعمة لهما لتبين أن عدد القتلى السوريين يومياً يتجاوز المئات.
ما هو حادث في سوريا يمكن تصويره بفريقين لكرة القدم يتباريان في استاد مليء بالجمهور، الجمهور بعضه يؤيد هذا الفريق وبعضه يؤيد الفريق الآخر، وعندما يسجل هذا الفريق هدفاً يرقص جمهوره فرحاً وطرباً، وعندما يسجل الفريق الآخر هدفاً يرقص جمهوره ويمتلئ سروراً، مع فارق أن قوات النظام السوري وقوات الجيش الحر لا يسجلون أهدافهم بإدخال الكرة في مرمى الخصم، ولكنهم يقتلون بعضهم البعض، أما جمهورهم فيفرح إن كان القتلى من الطرف الآخر، من دون أن يعيروا أي انتباه إلى أن القتلى من الجانبين سوريون، وأن الخسارة تتكبدها سوريا.
بل إن الأخبار التي تبث عبر الفضائيات تشعر المتلقي إن كان من مؤيدي النظام أنها تستحق أداء ركعتي شكر، فالقتلى هم من مناوئي النظام والشبيحة، أو تشعر المتلقي إن كان من مؤيدي الجيش الحر والمعارضة بأداء ركعتين إن كانت الأخبار في صالحهم فالقتلى من عناصر النظام!
في القنوات المؤيدة للنظام السوري والمدافعة عنه يصوغون أخباراً تمكن قوات النظام من قتل بعض عناصر الجيش الحر بطريقة تشعرك بأنهم يفتخرون بقيامهم بتلك العملية ويصورون لك الأمر على أن جيش النظام قاب قوسين أو أدنى من النصر، والقنوات المساندة للجيش الحر والمدافعة عنه، يصوغون أخباراً تمكن قوات الجيش الحر من قتل بعض عناصر النظام بطريقة تشعرك بأنهم يفتخرون بقيامهم بتلك العلمية، ويصورون لك الأمر على أن الجيش الحر قاب قوسين أو أدنى من النصر.
هؤلاء يفرّحون جمهورهم بأخبار قتل عدد من السوريين، وأولئك يفرّحون جمهورهم بأخبار قتل عدد من السوريين، أما الجمهور المحايد والمراقب لما يدور في الساحة السورية فلا يملك إلا أن يبدي أسفه على ما يرى، وعلى هذا الشعب الذي تزداد أعداد قتلاه ومشرديه يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، ويرى أمامه وطناً يلفظ أنفاسه أمام مرأى ومسمع عالم لا يقول إلا ما معناه “مساكين.. ما يستاهلون”!
التطورات في الساحة السورية تنذر بالأسوأ، ومن الواضح أن أي مبادرات من أية جهة تجيء لا تزيد الوضع في هذا البلد إلا تفاقماً، ذلك أن أية مبادرة من أي جهة كانت لابد أن يميل أصحابها إما إلى هذا الفريق أو إلى ذاك. فالمبادرة التي أعلنت عنها إيران لا يمكن أن تجد إلا الرفض حتى قبل العلم بتفاصيلها، لا لشيء إلا لأن إيران في الأساس تقف إلى جانب أحد الطرفين المتنازعين وتشجعه وتهتف له، وترقص طرباً للأخبار التي تعلن عن تمكنه من قتل أعداد من الطرف الآخر.. وكذا الأمر لو جاءت المبادرة من الأطراف الأخرى.