من المحرج أن أقف في طابور “محدودي الدخل” أنتظر دوري لأملأ أوراقاً وأعطي معلومات عن دخلي وعدد أفراد أسرتي وسكني.. من المحرج أن أذهب لتحديث بياناتي الشخصية كل حين لأثبت أني مازلت فقيراً.. أتكلم هنا عن مشاعر إنسانية لا أظنهم لا يفهمونها.. ما نفع أن أساعد الفقير مادياً وأكرس لديه إحساس الفقر بتعريضه للإهانة مراراً.. النية قد تكون جيدة لكن سياسة تعاملنا مع الفقر غريبة، فنحن نمنح المعونات والدعم لكننا لا نسعى لجعل الفقير يقف على رجليه ويعتمد على نفسه.. لا نعلمه الصيد ولا نعطيه الشباك بل نطلب منه أن يعود كل حين لأخذ سمكة ونتباهى في الصحف والإعلام بمشروع السمك.. ثم نقول له صرت أغنى مما يجب سنعطيك نصف سمكة ثم تظهر عليه علامات الثراء الفاحش ونقول له اذهب بسلام فهناك من هو أولى منك..
طبعاً في السنوات الأخيرة صار عندنا ولله الحمد دعم الغلاء السخي، وقروض المشاريع الصغيرة، والأسر المنتجة.. لكن هل محدودو الدخل استفادوا فعلاً؟ وهل هناك إحصاءات أو دلائل ملموسة لإسهام هذه التحركات المحدودة في تقليص حجم المشكلة؟
لنعترف أولاً بأننا لا نكترث بالفقراء.. كل مشغول بأهدافه.. الساسة منغمسون حتى آذانهم في صراعاتهم وأجنداتهم ومفاوضاتهم يفكرون في الوطن كغنيمة يقتسمونها.. النواب بعد السيارات الألمانية والعز والخير قد لا يفكر معظمهم بأن هناك مشكلة فقر أصلاً.. المستشارون يقولون إن كل شيء تمام والدولة مشغولة بمراضاة جماعة واحدة.. الجمعيات تساهم بقدر إمكاناتها وتقديرها ولا ننسى المحسوبيات والقائمين عليها.. هناك مبادرات محدودة.. لكن بشكل عام الفقير هو آخر من نفكر فيه في بلدنا..
لنحدد المشكلة بشكل صحيح، علينا أن نعترف بأنها ذات شقين، الأول هو أننا شعب مدمن معونات ومكرمات.. ونرضى بالحلول الوسط ونقف في طوابير من أجلها.. ننتظر المكرمات لتسقط عنا الديون وقروض البنوك وفواتير الكهرباء.. نحن شعب اعتمادي اتكالي -بإرادتنا أو رغماً عنا- وعلى هذا الأساس يتم التعامل معنا.. وهذا يضيع حقوقنا..
ثم يأتي الشق الثاني.. التعامل الحكومي مع الفقر أنه داء بلا علاج إلا بالمسكنات.. أكبر مشروع لمحدودي الدخل هو معونة الغلاء سواء خمسين أو مائة أو أكثر.. إنها عقلية تفكر في مصروف الشهر، وليس في خلق فرص والارتقاء بالفرد حتى لا يصبح محتاجاً للدعم.. نعلم أن هناك ميزانيات كبيرة أهدرت وتهدر، ولو أنها تصرف على تدريب وتعليم وخلق وظائف لمنحنا كثيراً من الناس حياة جديدة، فالناس ليس قدرهم أن يتوارثوا الفقر لأجيال فيما ينفق المال في حفلات ونثريات وفعاليات خارج نطاق الضروريات بل خارج نطاق المعقول..
في بلدي على الفقير -أو محدود الدخل- أن يرضى بقدره.. أو يحفر بيديه في الصخر ليستكشف فرص الخروج من عنق الزجاجة لواقع أفضل.. لن يلتفت له المسؤول ولا السياسي، فكلاهما مشغول ببناء مستقبله الشخصي والعائلي والحزبي.. الكلام عن علاجات الفقر في بلدي يعلو وقت الانتخابات، ويخفت بانتهاء الموسم ونقل الخيام ورفع البوفيهات.. يعلم الفقير أنه يعيش في بلد يعد من أهم مراكز المال والأعمال في المنطقة.. ويعلم أن بضعة آلاف من ملايين كثيرة تصرف في الهواء قد تغير عالمه.. وأن ألوف الهبات التي تمنح مجاملة لمن لا يستحق ستنتشله من واقعه وتهديه حياة مختلفة.. لكن ما باليد حيلة.
طبعاً في السنوات الأخيرة صار عندنا ولله الحمد دعم الغلاء السخي، وقروض المشاريع الصغيرة، والأسر المنتجة.. لكن هل محدودو الدخل استفادوا فعلاً؟ وهل هناك إحصاءات أو دلائل ملموسة لإسهام هذه التحركات المحدودة في تقليص حجم المشكلة؟
لنعترف أولاً بأننا لا نكترث بالفقراء.. كل مشغول بأهدافه.. الساسة منغمسون حتى آذانهم في صراعاتهم وأجنداتهم ومفاوضاتهم يفكرون في الوطن كغنيمة يقتسمونها.. النواب بعد السيارات الألمانية والعز والخير قد لا يفكر معظمهم بأن هناك مشكلة فقر أصلاً.. المستشارون يقولون إن كل شيء تمام والدولة مشغولة بمراضاة جماعة واحدة.. الجمعيات تساهم بقدر إمكاناتها وتقديرها ولا ننسى المحسوبيات والقائمين عليها.. هناك مبادرات محدودة.. لكن بشكل عام الفقير هو آخر من نفكر فيه في بلدنا..
لنحدد المشكلة بشكل صحيح، علينا أن نعترف بأنها ذات شقين، الأول هو أننا شعب مدمن معونات ومكرمات.. ونرضى بالحلول الوسط ونقف في طوابير من أجلها.. ننتظر المكرمات لتسقط عنا الديون وقروض البنوك وفواتير الكهرباء.. نحن شعب اعتمادي اتكالي -بإرادتنا أو رغماً عنا- وعلى هذا الأساس يتم التعامل معنا.. وهذا يضيع حقوقنا..
ثم يأتي الشق الثاني.. التعامل الحكومي مع الفقر أنه داء بلا علاج إلا بالمسكنات.. أكبر مشروع لمحدودي الدخل هو معونة الغلاء سواء خمسين أو مائة أو أكثر.. إنها عقلية تفكر في مصروف الشهر، وليس في خلق فرص والارتقاء بالفرد حتى لا يصبح محتاجاً للدعم.. نعلم أن هناك ميزانيات كبيرة أهدرت وتهدر، ولو أنها تصرف على تدريب وتعليم وخلق وظائف لمنحنا كثيراً من الناس حياة جديدة، فالناس ليس قدرهم أن يتوارثوا الفقر لأجيال فيما ينفق المال في حفلات ونثريات وفعاليات خارج نطاق الضروريات بل خارج نطاق المعقول..
في بلدي على الفقير -أو محدود الدخل- أن يرضى بقدره.. أو يحفر بيديه في الصخر ليستكشف فرص الخروج من عنق الزجاجة لواقع أفضل.. لن يلتفت له المسؤول ولا السياسي، فكلاهما مشغول ببناء مستقبله الشخصي والعائلي والحزبي.. الكلام عن علاجات الفقر في بلدي يعلو وقت الانتخابات، ويخفت بانتهاء الموسم ونقل الخيام ورفع البوفيهات.. يعلم الفقير أنه يعيش في بلد يعد من أهم مراكز المال والأعمال في المنطقة.. ويعلم أن بضعة آلاف من ملايين كثيرة تصرف في الهواء قد تغير عالمه.. وأن ألوف الهبات التي تمنح مجاملة لمن لا يستحق ستنتشله من واقعه وتهديه حياة مختلفة.. لكن ما باليد حيلة.