منذ مطلع السبعينيات من القرن المنصرم، حين كنت طفلاً، وفي محرم الحرام، كنت أذهب لمشاهدة العزاء الذي كان يقام حزناً على الإمام الحسين بن علي (ع)، كنت أدرك جيداً أن هناك الكثير من المعزين ومن يحضر مجالس العزاء ليسوا من أبناء الطائفة الشيعية، بل كان هناك الكثير ممن يشارك في إحياء مراسم عاشوراء، هُمْ بعض المسيحيين الذين كنا نلعب كرة القدم قرب منازلهم في “فريج” العوضية، والكثير من الشباب الذين كانوا حينها ينتمون للتيارات الشيوعية واليسارية من طلبة بغداد وموسكو.
بما أنني كنت حينها من أطفال “فريج” الفاضل، إذ كنت أتنقل من بيت إلى بيت من دون اكتراثي بمعرفة هوية أصحاب تلك المنازل، كما ربتني على ذلك جدتي المرحومة “لطيفة”، وصل بي الحال أنه لم أكن أميز بين من هو من أبناء هذه الطائفة، أو من هو من أبناء تلك الطائفة، وما كان يزيد الأمور تعقيداً وغموضاً في داخلي، هو أنني كنت أراهم يحيون ذكرى عاشوراء، فوصلتُ إلى يقين مفادهُ أن الحسين لم يكن شيعياً محضاً، وأن الاحتفالات لم تكن تخص فئة دون أخرى، والأهم من كل ذلك، هو أنني وصلت إلى مرحلة اليقين أن السنة والشيعة أكثر من إخوة، أما المسيح وبقية أبناء هذا الوطن، فهم شركاء معنا في الإنسانية والتراب.. هؤلاء كانوا من الطيبين.
راح الطيبون، وأخذوا معهم كل شيء طيب ورائع. من عاش في تلك الحقبة الزمنية السبعينية، يؤمن أن كل شيء في تلك المرحلة كان أصلياً وأصيلاً، فاللاعبون كانوا من طينة خاصة، فهم لم يكونوا يلعبون لأجل المال والثراء، والمغنّون كانوا يغنون لأجل الكلمة وإسعاد البشرية، والممثلون يمثلون من دون البحث عن الشهرة والنجومية، أما علماء الدين والأطباء والوجهاء والتجار والمعلمون فهم الذين أسسوا هذا الوطن، هؤلاء كلهم من الطيبين.
بالأمس كانت الصناعات كلها ألمانية وإنجليزية وأمريكية ويابانية، فكانت الهواتف المنزلية تعمر لأعوام وأعوام، أما الأدوات الكهربائية فهي من أفخر أنواع الطيبين. السيارات كانت “ما لها حل”، أما البرامج التلفزيونية والإذاعية، فكانت مفيدة وهادفة وصادقة، كانت من الطيبين، أما الأكلات والوجبات غير المعدلة وراثياً أو غير المغموسة بألوان اصطناعية فتاكة، والتي لم تكن تحتوي على مواد مشعة ومسرطنة، فكانت من ألذ أنواع الأكل الطيب.
حين كنَّا نعيش في غرفة واحدة حتى كبرنا، كنَّا جميعاً من الطيبين، أما حين ننام قبل أن يغلق التلفزيون أبوابه قبل الحادية عشر مساء، كنا من أفخر الطيبين، أما النقل العام والفرضة ودواعيس الفاضل والمحرق فهي من أشرف الطيبين أيضاً.
الدِّين كان طيباً من دون طائفيين ولا متزمّتين ولا متاجرين ولا سياسيين، كان الدين جميلاً لأن الحياة حينها كانت جميلة، فلا عصبيات ولا حميات ولا جهل ولا أمراض نفسانية ولا فساد ضمير.
كنَّا ننام والحب يملأ قلوبنا، وكنَّا نحلم بالوطن الواحد والمصير الواحد، أما اليوم وبعد أن راح الطيبون، وبعد أن حكم الإسلام السياسي واقعنا، أجزم أننا رجعنا آلاف السنين إلى الوراء على صعيد الإنسانية، حتى لو تقدمنا ملايين السنين الضوئية على مستوى التطور المادي، وشتان بين الإثنين، بين الطيبين والخبيثين.
بما أنني كنت حينها من أطفال “فريج” الفاضل، إذ كنت أتنقل من بيت إلى بيت من دون اكتراثي بمعرفة هوية أصحاب تلك المنازل، كما ربتني على ذلك جدتي المرحومة “لطيفة”، وصل بي الحال أنه لم أكن أميز بين من هو من أبناء هذه الطائفة، أو من هو من أبناء تلك الطائفة، وما كان يزيد الأمور تعقيداً وغموضاً في داخلي، هو أنني كنت أراهم يحيون ذكرى عاشوراء، فوصلتُ إلى يقين مفادهُ أن الحسين لم يكن شيعياً محضاً، وأن الاحتفالات لم تكن تخص فئة دون أخرى، والأهم من كل ذلك، هو أنني وصلت إلى مرحلة اليقين أن السنة والشيعة أكثر من إخوة، أما المسيح وبقية أبناء هذا الوطن، فهم شركاء معنا في الإنسانية والتراب.. هؤلاء كانوا من الطيبين.
راح الطيبون، وأخذوا معهم كل شيء طيب ورائع. من عاش في تلك الحقبة الزمنية السبعينية، يؤمن أن كل شيء في تلك المرحلة كان أصلياً وأصيلاً، فاللاعبون كانوا من طينة خاصة، فهم لم يكونوا يلعبون لأجل المال والثراء، والمغنّون كانوا يغنون لأجل الكلمة وإسعاد البشرية، والممثلون يمثلون من دون البحث عن الشهرة والنجومية، أما علماء الدين والأطباء والوجهاء والتجار والمعلمون فهم الذين أسسوا هذا الوطن، هؤلاء كلهم من الطيبين.
بالأمس كانت الصناعات كلها ألمانية وإنجليزية وأمريكية ويابانية، فكانت الهواتف المنزلية تعمر لأعوام وأعوام، أما الأدوات الكهربائية فهي من أفخر أنواع الطيبين. السيارات كانت “ما لها حل”، أما البرامج التلفزيونية والإذاعية، فكانت مفيدة وهادفة وصادقة، كانت من الطيبين، أما الأكلات والوجبات غير المعدلة وراثياً أو غير المغموسة بألوان اصطناعية فتاكة، والتي لم تكن تحتوي على مواد مشعة ومسرطنة، فكانت من ألذ أنواع الأكل الطيب.
حين كنَّا نعيش في غرفة واحدة حتى كبرنا، كنَّا جميعاً من الطيبين، أما حين ننام قبل أن يغلق التلفزيون أبوابه قبل الحادية عشر مساء، كنا من أفخر الطيبين، أما النقل العام والفرضة ودواعيس الفاضل والمحرق فهي من أشرف الطيبين أيضاً.
الدِّين كان طيباً من دون طائفيين ولا متزمّتين ولا متاجرين ولا سياسيين، كان الدين جميلاً لأن الحياة حينها كانت جميلة، فلا عصبيات ولا حميات ولا جهل ولا أمراض نفسانية ولا فساد ضمير.
كنَّا ننام والحب يملأ قلوبنا، وكنَّا نحلم بالوطن الواحد والمصير الواحد، أما اليوم وبعد أن راح الطيبون، وبعد أن حكم الإسلام السياسي واقعنا، أجزم أننا رجعنا آلاف السنين إلى الوراء على صعيد الإنسانية، حتى لو تقدمنا ملايين السنين الضوئية على مستوى التطور المادي، وشتان بين الإثنين، بين الطيبين والخبيثين.