تنعقد في طهران اليوم وغداً قمة حركة “عدم الانحياز” في العاصمة الإيرانية طهران، هذه الحركة التي تأسست نتيجة للحرب الباردة التي تصاعدت بين المعسكر الغربي “حلف الناتو” والمعسكر الشرقي “حلف وارسو”، وكان من أهدافها هو الابتعاد عن سياسات الحرب الباردة، وصياغة مواقف سياسية واقتصادية لأعضائها. وشهد عصر تأسيسها استقلال العديد من دول العالم في أفريقيا وآسيا ونهاية لعصر النظام الاستعماري العسكري في هذه الدول، وتمثلت جهود هذه الدول بتصفية الاستعمار وتأسيس دول جديدة ذات سيادة، والعمل على حفظ السلم والأمن الدوليين. وعقدت الحركة مؤتمرها التأسيسي في أبريل 1955 بمدينة باندونج بإندونيسيا بحضور 29 دولة. وقد صدرت عن هذا المؤتمر “مبادئ باندونج العشرة” التي أصبحت الأهداف الرئيسة لسياسة عدم الانحياز. وتركزت هذه الأهداف على ــ تأييد حق تقرير المصير، الاستقلال الوطني والسيادة والسلامة الإقليمية لأعضائها، معارضة الفصل العنصري، عدم الانتماء للأحلاف العسكرية المتعددة الأطراف، ابتعاد أعضاء الحركة عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى، الكفاح ضد الاستعمار بكافة أشكاله وصوره، الكفاح ضد الاحتلال والاستعمار الجديد والعنصرية والسيطرة الأجنبية، نزع السلاح، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، التعايش بين جميع الدول ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، تدعيم الأمم المتحدة، إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي والمساواة في التعاون الدولي بين كافة دول العالم واحترام حقوق الإنسان.
ومنذ بداية قيام هذه الحركة بذلت جهوداً حثيثة وكبيرة من أجل تطبيق هذه الأهداف الجليلة، ولعبت الحركة في عقدي السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي دوراً أساسياً في ذلك، واستطاعت خلال سنواتها أن تضم الكثير من دول العالم التي آمنت بمبادئ الحركة، وأبدت استعدادها من أجل تحقيق تلك المبادئ والتي بلغت 120 دولة. واستطاعت بجدارة خلال تلك السنوات أن تجد لنفسها أساساً مشتركاً للعمل السياسي والاقتصادي المشترك بين أعضائها ودول العالم قاطبة وذلك بفضل تغلبها على مشاكلها وخلافاتها.
واليوم وقد بلغ عُمر حركة “عدم الانحياز” الـ 57 فماذا تبقى من تلك المبادئ السياسية والاقتصادية والإنسانية؟ وكيف أصبحت بعد انهيار “الاتحاد السوفيتي” وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مقدرات دول العالم حيث أصبحت هي السيدة المطاعة الآمرة الناهية؟ وهل هناك من جدوى الآن لمبادئ “حركة عدم الانحياز” بغياب المعسكر الاشتراكي وبقاء المعسكر الغربي مهيمناً على كافة دول العالم؟ وهل أصبح هناك الآن انحياز للدول أم التبعية والطاعة لإملاءات المعسكر الغربي في ظل غياب أي معسكر آخر؟
لا شك أن جميع دول العالم اليوم وبدون استثناء لا تملك من سيادتها إلا تاريخ استقلالها وعلمها ونشيدها الوطني، وجميعها أصبحت بمثابة “الحليف الأول” للولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من ذلك فإن واشنطن تعمل جاهدة على التقليل من أهمية هذه القمة، وتعمل جاهدة على تخفيض مستوى حضورها. والحقيقة الكبرى ــ ليس في مكان عقد قمة حركة “عدم الانحياز” ولا فيما سيصدر عنها من قرارات ــ لأن الحركة وفي ظل الوضع السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري الدولي والإقليمي قد فقدت تأثيرها على المستوى الدولي والإقليمي، وإنها غير قادرة على الحركة والفعل بالرغم من عدد أعضائها “120”، وتحولت من حركة إلى محفل دولي يناقش العديد من القضايا وبإصدار توصيات وقرارات غير مُلزمة التنفيذ وفاقدة التأثير، وأصبحت مؤتمراتها مجرد لقاءات إعلامية تجمع بين أعضائها المنحازين جميعهم للمعسكر الغربي لكونهم حلفاء سياسيين واقتصاديين وعسكريين له.
لا يمكن أبداً وبسبب السيطرة الأمريكية على مقدرات الساحة الدولية أن تقوم حركة “عدم الانحياز” بأي دور سياسي خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية في عام 1991، وانتهت مسألة وقوف الدول على مسافة واحدة بين معسكرين وبقيت مسافة واحدة التي اختفت تدريجياً بعد أن أصبحت هذه الدول تحلق في فلك المعسكر الغربي وحلفه العسكري عبر العديد من الاتفاقيات الدفاعية والاستراتيجية. وبدلاً أن تحقق هذه الاتفاقيات والمعاهدات السلم والأمن الدوليين، فإنها ساهمت في تكريس الكثير من الصراعات والحروب في منطقة الشرق الأوسط وفي دول أعضاء حركة “عدم الانحياز”، كالحرب العراقية الإيرانية، والصراع حول الصحراء الغربية، والنزاع الهندي الباكستاني، وغزو أفغانستان ثم احتلال العراق. واليوم فإن الحركة غير قادرة على التواصل مع أهدافها ومبادئها التي أنشأت من أجلها، وذلك بسبب تنافر سياسات أعضائها من الدول وتنوع تحالفاتهم وارتباطاتهم واختلاف مصالحهم إلى جانب تفاوت درجات نموهم الاقتصادي واختلاف رؤاهم السياسية والاقتصادية، مما أدى إلى انخفاض حماسة عضوية الدول في الحركة، فقد استبدلت قبرص عضويتها في الحركة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الأول من مايو عام 2004.
والجديد في هذه القمة هو حضور أشخاص وحكومات عربية جديدة، وستكون مشاركتهم كسابقيهم، والجميع غير قادر على التأثير بعد أن أصبح الحياد الإيجابي لحركة عدم الانحياز حياداً سلبياً. والحركة التي تمثل “51%” من سكان العالم وتملك “80%” من مصادر النفط العالمية و«52%” من الموارد المائية وتمتلك كتلة صوتية كبيرة في هيئة الأمم المتحدة، ستبقى إذا بقي لها شيء من الروح كنوع من التراث السياسي الإنساني، وملف سيعلوه الغبار في درجٍ قد يتم فتحه عند التذكر فقط.
ومنذ بداية قيام هذه الحركة بذلت جهوداً حثيثة وكبيرة من أجل تطبيق هذه الأهداف الجليلة، ولعبت الحركة في عقدي السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي دوراً أساسياً في ذلك، واستطاعت خلال سنواتها أن تضم الكثير من دول العالم التي آمنت بمبادئ الحركة، وأبدت استعدادها من أجل تحقيق تلك المبادئ والتي بلغت 120 دولة. واستطاعت بجدارة خلال تلك السنوات أن تجد لنفسها أساساً مشتركاً للعمل السياسي والاقتصادي المشترك بين أعضائها ودول العالم قاطبة وذلك بفضل تغلبها على مشاكلها وخلافاتها.
واليوم وقد بلغ عُمر حركة “عدم الانحياز” الـ 57 فماذا تبقى من تلك المبادئ السياسية والاقتصادية والإنسانية؟ وكيف أصبحت بعد انهيار “الاتحاد السوفيتي” وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على مقدرات دول العالم حيث أصبحت هي السيدة المطاعة الآمرة الناهية؟ وهل هناك من جدوى الآن لمبادئ “حركة عدم الانحياز” بغياب المعسكر الاشتراكي وبقاء المعسكر الغربي مهيمناً على كافة دول العالم؟ وهل أصبح هناك الآن انحياز للدول أم التبعية والطاعة لإملاءات المعسكر الغربي في ظل غياب أي معسكر آخر؟
لا شك أن جميع دول العالم اليوم وبدون استثناء لا تملك من سيادتها إلا تاريخ استقلالها وعلمها ونشيدها الوطني، وجميعها أصبحت بمثابة “الحليف الأول” للولايات المتحدة الأمريكية، وبالرغم من ذلك فإن واشنطن تعمل جاهدة على التقليل من أهمية هذه القمة، وتعمل جاهدة على تخفيض مستوى حضورها. والحقيقة الكبرى ــ ليس في مكان عقد قمة حركة “عدم الانحياز” ولا فيما سيصدر عنها من قرارات ــ لأن الحركة وفي ظل الوضع السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري الدولي والإقليمي قد فقدت تأثيرها على المستوى الدولي والإقليمي، وإنها غير قادرة على الحركة والفعل بالرغم من عدد أعضائها “120”، وتحولت من حركة إلى محفل دولي يناقش العديد من القضايا وبإصدار توصيات وقرارات غير مُلزمة التنفيذ وفاقدة التأثير، وأصبحت مؤتمراتها مجرد لقاءات إعلامية تجمع بين أعضائها المنحازين جميعهم للمعسكر الغربي لكونهم حلفاء سياسيين واقتصاديين وعسكريين له.
لا يمكن أبداً وبسبب السيطرة الأمريكية على مقدرات الساحة الدولية أن تقوم حركة “عدم الانحياز” بأي دور سياسي خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وكتلته الاشتراكية في عام 1991، وانتهت مسألة وقوف الدول على مسافة واحدة بين معسكرين وبقيت مسافة واحدة التي اختفت تدريجياً بعد أن أصبحت هذه الدول تحلق في فلك المعسكر الغربي وحلفه العسكري عبر العديد من الاتفاقيات الدفاعية والاستراتيجية. وبدلاً أن تحقق هذه الاتفاقيات والمعاهدات السلم والأمن الدوليين، فإنها ساهمت في تكريس الكثير من الصراعات والحروب في منطقة الشرق الأوسط وفي دول أعضاء حركة “عدم الانحياز”، كالحرب العراقية الإيرانية، والصراع حول الصحراء الغربية، والنزاع الهندي الباكستاني، وغزو أفغانستان ثم احتلال العراق. واليوم فإن الحركة غير قادرة على التواصل مع أهدافها ومبادئها التي أنشأت من أجلها، وذلك بسبب تنافر سياسات أعضائها من الدول وتنوع تحالفاتهم وارتباطاتهم واختلاف مصالحهم إلى جانب تفاوت درجات نموهم الاقتصادي واختلاف رؤاهم السياسية والاقتصادية، مما أدى إلى انخفاض حماسة عضوية الدول في الحركة، فقد استبدلت قبرص عضويتها في الحركة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في الأول من مايو عام 2004.
والجديد في هذه القمة هو حضور أشخاص وحكومات عربية جديدة، وستكون مشاركتهم كسابقيهم، والجميع غير قادر على التأثير بعد أن أصبح الحياد الإيجابي لحركة عدم الانحياز حياداً سلبياً. والحركة التي تمثل “51%” من سكان العالم وتملك “80%” من مصادر النفط العالمية و«52%” من الموارد المائية وتمتلك كتلة صوتية كبيرة في هيئة الأمم المتحدة، ستبقى إذا بقي لها شيء من الروح كنوع من التراث السياسي الإنساني، وملف سيعلوه الغبار في درجٍ قد يتم فتحه عند التذكر فقط.