في كل مرة اندلعت فيها موجات العنف الممنهج من قبل ما تسمى بالمعارضة تم استهداف رجال الأمن والمدنيين والممتلكات العامة والخاصة، وقتها كان كل أملنا وتطلعاتنا العودة إلى الوضع الطبيعي -أو الذي كنا نحسبه طبيعياً- وكل همنا كان توقف العنف فقط وعودة الأمور لمجاريها، هذه المرة تحديداً وبعدما وصلنا له فإن عودة الأمور لمجاريها لم يعد مطلباً لدى الشعب البحريني، هم انتحلوا صفتنا وقالوا إنهم يريدون التغيير، وبالنسبة لنا التغيير صار عز الطلب وبات هدفاً لا تنازل عنه ولن يهنأ لنا عيش دون تحقيقه.
لم نعد نقبل أن نحيا تحت حد السيف باستجداء الأمن، وبتوسلهم ليتركوا الناس يمضون في الشوارع والطرقات بسلام، لا نريد الأمن المؤقت المرتبط بتسويات لا نعلم تفاصيلها أو صفقات يربح فيها الكل ويخسر الشعب، صفقات على حساب القانون والعدل يظلم فيها الصغار والصامتون ومن لا صوت لهم، وتمنح مناصب وامتيازات وعطايا بلا حق لأصحاب الصوت العالي واليد الطولى الذين لم يستخدموا لحد الآن نصف قوتهم ويملكون الشارع وبفتوى واحدة يحركون آلاف المجاهدين المستعدين للشهادة؛ بذمتكم هل هذا أمن أو هذه دولة؟
الأمن المؤقت الذي سيهتز كل خمس أوعشر سنوات، وفق هوى ومزاج المعارضين من الخارج وآيات الله والمراجع الإيرانية وقنواتها الإعلامية وفريقها الحقوقي، والذي سيستمر لعبة في يد هؤلاء وفي يد غيرهم من جماعات تعلمت من التجربة البحرينية أن كل ما يتطلبه الأمر التخطيط والتحشيد الجيد، وقصص تجذب الإعلام الغربي وتصبح البلد لقمة سائغة في يد هذا الحزب أو ذاك.
الأمن الذي من أجله نراضي هذا ونتوسل ذاك ليس أمناً، إنه قنبلة موقوتة سرعان ما تنفجر عندما لا تقابل الترضية التوقعات، ودائماً سيكون هناك ابتزاز طالما هناك مواطن خلل وأخطاء نعلمها تمام العلم لكننا لا نتعامل معها كما ينبغي، وفي المرة القادمة سيتجنب المبتزون تكرار أخطائهم، فهم يتعلمون باستمرار من تجاربهم ويصححون استراتيجيتهم؛ فما عادوا يرفعون أعلام حزب الله وصور خامنئي وألبسوا الحركة رداء الوطنية ونزلوا بكل ثقلهم إعلامياً وحقوقياً، وفي المرة القادمة لن تكون هناك صور -تدعم موقفنا- لأفراد المعارضة يقبلون رأس أحمدي نجاد أو تصريحات تربطهم بإيران، سيكون الأمر متقناً أكثر، لا تعتمدوا على تصيد أخطائهم؛ بل اعملوا على تصحيح الأوضاع التي تعزز مناعتهم وتعطيهم تفوقاً ليقفوا ضد دولة وشعب ويتكلموا باسمنا جميعاً، انظروا لفبركاتهم تجدونها طعمت بحقائق وهذه الحقائق هي ما يكسر الظهر وليس الفبركات.
قوتنا في أن نضع أصابعنا على مواطن الخلل الذاتية التي نعرفها -من فساد وبيروقراطية ومحسوبيات وسرقات وتمييز- ونعالجها دون تردد، شرط ألا يكون ذلك مؤجلاً، دعوا المواطن ينعم بآثار التغيير لماذا ننتظر جيلاً وجيلين ونحن نملك الرؤية والحلول والأدوات.
استدامة الأمن لن تتأتى بالحلول المؤقتة وبأسلوب رد الفعل، إنها تحتاج إلى برنامج وطني شامل يعنى بتصحيح جملة من الأخطاء وتعزيز المواطنة بإعزاز المواطن وجعله يستشعر العزة والكرامة والغنى النفسي قبل المادي في وطنه -ولن يكون هذا بالأغاني والقصائد واللافتات المؤجرة والشعارات الساذجة على الأرصفة- الأمن في جوهره يعتمد على قطع الطريق من أوله على أي عصابة تتاجر بهموم المواطن، وما أكثر العصابات وما أكثر الهموم والأوتار الحرجة التي يمكن أن يعزف عليها، ليس صعباً على بلد يقوي نفسه من الداخل أن يبني أمناً حقيقياً، قلنا هذا مراراً وسنقوله مراراً.